ولكي نوضح هذا كله نقول إن كل علم مبني على نظريات. النظرية الأولى تؤدي إلى الثانية. والثانية تؤدي إلى الثالثة. وهكذا.. ولكن بداية كل هذه العلوم لم تبدأ بنظرية، ولكنها بدأت بما يسمونه البديهيات. أي الأشياء التي لا تحتاج إلى دليل. إنها الأشياء التي خلقها الله في الكون. وعلى هذه البديهيات بنيت النظريات الواحدة بعد الأخرى. حتى إذا أردت أن تعيدها إلى أصلها، فإنك تصل في نهاية الأمر إلى أن العلم الأول من الله سبحانه وتعالى، فالمعلم الأول علمه الله. والثمرة الأولى خلقها الله. وكل اكتشافات الإنسان منذ بداية الحياة وحتى قيام الساعة موجودة بالقوة. مثل النواة التي فيها النخلة. تنتظر التأمل والعمل. لتصبح اكتشافا بالفعل. والله سبحانه وتعالى وهو المعلم الأول.. وضع في كونه من العلم الكثير. ويحضرني قول الشاعر أحمد شوقي حين قال : سبحانك اللهم خير معلم علمت بالقلم القرون الأولى
أرسلت بالتوارة موسى مرشدا وابن البتول فعلم الإنجيلا
وفجرت ينبوع البيان محمدا فسقى الحديث وناول التنزيلا
وكان شوقي يصوغ في أبياته أن كل علم هو منسوب إلى الله وحده.. وهكذا يتضح لنا. أن قول الملائكة :﴿سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ يتضمن الاعتراف بأن العلم كله مرجعه إلى الله. فالله سبحانه وتعالى هو مصدر العلم والحكمة. وقوله سبحانه وتعالى :﴿الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ العليم أي الذي يعلم كل شيء خافيا كان أو ظاهرا. والعلم كله منه. وأما الحكمة فتطلق في الأصل على قطعة الحديد التي توضع في فم الفرس لتلجمه حتى يمكن للراكب أن يتحكم فيه. ذلك أن الحصان حيوان مدلل شارد. يحتاج إلى ترويض. وقطعة الحديد التي توضع في فمه تجعله أكثر طاعة لصاحبه. وكأن إطلاق صفة الحكيم على الخالق سبحانه وتعالى هو أنه جل جلاله يحكم المخلوقات حتى لا تسير بغير هدى. ودون دراية.