قوله تعالى ﴿قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
فلما قالوا ذلك وأراد إشهادهم فضل آدم عليه السلام استأنف في جواب من كأنه قال : ما قال لهم عند ذلك ؟ قوله :﴿قال﴾ مظهراً لفضيلة العلم الموجبة لشرف العالم ﴿يا آدم أنبئهم﴾ أي ليزدادوا بصيرة في أن العالم من علّمته والسعيد من أسعدته في أي صورة ركبته ﴿بأسمائهم﴾ فأنبأهم بها.
قال الحرالي : ولم يقل : علمهم، فكان آدم عليماً بالأسماء وكانوا هم مخبرين بها لا معلميها، لأنه لا يتعلمها من آدم إلا من خلقه محيط كخلق آدم، ليكون من كل شيء ومنه كل شيء، فإذا عرض عليه شيء مما منه آنس علمه عنده ؛ فلذلك اختصوا بالإنباء دون التعليم، فلكل شيء عند آدم عليه السلام بما علمه الله وأظهر له علاماته في استبصاره والشيء اسمان جامعان : اسم بيصّره من موجود الشيء واسم يذكره لإبداء معنى ذلك الشيء إلى غاية حقيقته، ولكل اسم جامع عنده وجوه متعددة يحاذي كلَّ وجه منها بتسمية تخصه، وبحسب تلك الوجوه تكثرت عنده الألسنة وتكثرت الألسن الأعجمية، فأفصحها وأعربها الاسم الجامع وذلك الاسم هو العربي الذي به أنزل خاتم الكتب على خاتم المرسلين وأبقى دائماً في مخاطبة أهل الجنة لمطابقة الخاتمة إحاطة البادئة ﴿حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم﴾ [ الزخرف : ١، ٤ ] وطابق الختم البدء إحاطة لإحاطة - انتهى.
وهذا كما كان ولده محمد خاتم النبيين ﷺ يكلم كل إنسان بلغته من قبائل العرب ومن العجم بل ومن البهائم العجم لكان علمه لبعض اللغات من غير مخالطة لأهلها ولا إلمام بلسانهم دليلاً على علم سائر اللغات، لأنه لا معلم له إلا العالم بكل شيء.
﴿فلما أنبأهم﴾ أي أخبرهم إخباراً عظيماً يأخذ بالألباب، و ﴿لما﴾ كلمة تفهم وجوب أمر لأمر في حين فتجمع معنى الشرط والظرف - قاله الحرالي ﴿بأسمائهم﴾ عل ما هي عليه.