ولا يخفى ما في الآية من الإيجاز، إذ كان الظاهر أعلم غيب السموات والأرض وشهادتهما وأعلم ما كنتم تبدون وما كنتم تكتمون وما ستبدون وتكتمون، إلا أنه سبحانه اقتصر على غيب السموات والأرض لأنه يعلم منه شهادتهما بالأولى، واقتصر من الماضي على المكتوم لأنه يعلم منه البادي كذلك وعلى المبدأ من المستقبل لأنه قبل الوقوع خفي، فلا فرق بينه وبين غيره من خفياته وتغيير الأسلوب حيث لم يقل : وتكتمون لعله لإفادة استمرار الكتمان فالمعنى أعلم ما تبدون قبل أن تبدوه وأعلم ما تستمرون على كتمانه، وذكر الساليكوتي أن كلمة كان صلة غير مفيدة لشيء إلا محض التأكيد المناسب للكتمان، ثم الظاهر من الآية العموم ومع ذلك
﴿مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] أعم مفهوماً لشموله غيب الغيب الشامل لذات الله تعالى وصفاته وخصها قوم فمن قائل : غيب السموات أكل آدم وحواء من الشجرة، وغيب الأرض قتل قابيل هابيل.
ومن قائل : الأول : ما قضاه من أمور خلقه والثاني : ما فعلوه فيها بعد القضاء، ومن قائل : الأول : ما غاب عن المقربين مما استأثر به تعالى من أسرار الملكوت الأعلى والثاني : ما غاب عن أصفيائه من أسرار الملك الأدنى وأمور الآخرة، والأولى وما أبدوه قبل قولهم :﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ [ البقرة : ٠ ٣ ] وما كتموه، قولهم : لن يخلق الله تعالى أكرم عليه منا، وقيل : ما أظهروه بعد من الامتثال.