ونظيره قول صاحب موسى :﴿سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً أما السفينة﴾ [ الكهف : ٧٨، ٧٩ ] إلى قوله :﴿وما فعلته عن أمري﴾ [ الكهف : ٨٢ ] ثم قال :﴿ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً﴾ [ الكهف : ٨٢ ].
فجاء باسم إشارة البعيد تعظيماً للتأويل بعد ظهوره.
وهذه طريقة مسلوكة للكتاب والخطباء وهي ترجع إلى قاعدة أخذ النتائج من المقدمات في صناعة الإنشاء كما بينته في كتاب " أصول الإنشاء والخطابة" وأكثر الخطباء يفضي إلى الغرض من خطبته بعد المقدمات والتمهيدات وقد جاءت الآية على طريقة الخطباء والبلغاء فيما ذكرنا تعليماً للخلق وجرياً على مقتضى الحال المتعارف من غير مراعاة لجانب الألوهية فإن الملائكة لا يمترون في أن قوله تعالى الحق ووعده الصدق فليسوا بحاجة إلى نصب البراهين.
و﴿كُنتُمْ﴾ في قوله :﴿وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ الأظهر أنها زائدة لتأكيد تحقق الكتمان فإن الذي يعلم ما اشتد كتمانه يعلم ما لم يحرص على كتمانه ويعلم ظواهر الأحوال بالأولى.
وصيغة المضارع في ﴿تُبْدُونَ﴾ و ﴿تَكْتُمُونَ﴾ للدلالة على تجدد ذلك منهم فيقتضي تجدد علم الله بذلك كلما تجدد منهم.
ولبعضهم هنا تكلفات في جعل ﴿كنتم﴾ للدلالة على الزمان الماضي وجعل ﴿تبدون﴾ للاستقبال وتقدير اكتفاء في الجانبين أعني وما كنتم تبدون وما تكتمون واكتفاء في غيب السماوات والأرض يعني وشهادتهما وكل ذلك لا داعي إليه.