وقال القرطبى :
اختلف العلماء من هذا الباب، أيّما أفضل الملائكة أو بنو آدم على قولين : فذهب قوم إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة.
وذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى أفضل.
احتج من فضّل الملائكة بأنهم ﴿عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ.
لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾
[ الأنبياء : ٢٦ ٢٧ ].
﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [ التحريم : ٦٦ ].
وقوله :﴿لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ الملائكة المقربون﴾ [ النساء : ١٧٢ ] وقوله :﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله وَلاَ أَعْلَمُ الغيب وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [ الأنعام : ٥٠ ].
وفي البخاريّ :" يقول الله عز وجل : مَن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " وهذا نص.
احتج من فضَّل بني آدم بقوله تعالى :﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أولئك هُمْ خَيْرُ البريئة﴾ [ البينة : ٧ ] بالهمز، مِنْ برأ الله الخلق.
وقوله عليه السلام :" وإنّ الملائكة لتَضَع أجنحتها رِضًى لطالب العلم " الحديث.
أخرجه أبو داود، وبما جاء في أحاديثَ مِن أن الله تعالى يُباهِي بأهل عَرفات الملائكة، ولا يُباهي إلا بالأفضل، والله أعلم.
وقال بعض العلماء : ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم ؛ لأن طريق ذلك خبر الله تعالى وخبر رسوله أو إجماع الأمة ؛ وليس ها هنا شيء من ذلك، خلافاً للقدرية والقاضي أبي بكر رحمه الله حيث قالوا : الملائكة أفضل.
قال : وأما من قال من أصحابنا والشِّيعة : إن الأنبياء أفضل لأن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، فيقال لهم : المسجود له لا يكون أفضل من الساجد، ألا ترى أن الكعبة مسجود لها والأنبياء والخلق يسجدون نحوها، ثم إن الأنبياء خير من الكعبة باتفاق الأمة.
ولا خلاف أن السجود لا يكون إلا لله تعالى ؛ لأن السجود عبادة ؛ والعبادةُ لا تكون إلا لله، فإذا كان كذلك فكون السجود إلى جهة لا يدل على أن الجهة خير من الساجد العابد ؛ وهذا واضح.
وسيأتي له مزيد بيان في الآية بعد هذا. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١ صـ ٢٨٩﴾


الصفحة التالية
Icon