وقوله :﴿فلما أنبأهم بأسمائهم﴾ : جملة محذوفة، التقدير : فأنبئهم بها، فلما أنبأهم حذفت لفهم المعنى، وفي قوله : أنبئوني، فلما أنبأهم تنبيه على إعلام الله أنه قد أعلم الله أنه قد أعلم آدم من أحوالهم ما لم يعلمهم من حاله، لأنهم رأوه قبل النفخ مصوراً، فلم يعلموا ما هو، وعلى أنه رفع درجة آدم عندهم، لكونه قد علم لآدم ما لم يعلمهم، وعلى إقامته مقام المفيد المعلم، وإقامتهم مقام المستفيدين منه، لأنه أمره أن يعلمهم أسماء الذين عرضهم عليهم وعلى أدبهم على ترك الأدب من حيث قالوا :﴿أتجعل فيها﴾، فإن الطواعية المحضة ويكونوا مع عدم العلم بالحكمة فيما أمروا به، وعدم الاطلاع على ذلك الأمر ومصلحته ومفسدته كهم مع العلم والاطلاع.
وكان الامتثال والتسليم، بغير تعجب ولا استفهام، أليق بمقامهم لطهارة ذواتهم وكمال صفاتهم.
وفي كتاب بعض من عاصرناه، قالت المعتزلة : ظهر من آدم عليه السلام في علمه بالأسماء معجزة دالة على نبوته في ذلك الوقت، والأقرب أنه كان مبعوثاً إلى حواء، ولا يبعد أن يكون أيضاً مبعوثاً إلى من توجه التحدي إليهم من الملائكة، لأن جميعهم، وإن كانوا رسلاً، فقد يجوز الإرسال إلى الرسول، كبعثه إبراهيم عليه السلام إلى لوط عليه السلام، واحتجوا بكونه ناقضاً للعادة.
ولقائل أن يقول : حصول العلم باللغة لمن علمه الله وعدم حصوله لمن لم يعلم ليس بناقض للعادة.
وأيضاً، فالملائكة أما إن علموا وضع تلك الأسماء للمسميات فلا مزية أو لا، فكيف علموا إصابته في ذلك ؟ والجواب من وجهين : أحدهما : أنه ربما يكون لكل صنف منهم لغة، ثم حضر جميعهم فعرف كل صنف إصابته في تلك اللغة، إلا أنهم بأسرهم عجزوا عن معرفتها بأسرها.