ذَا إِرَادَةٍ مُطْلَقَةٍ وَاخْتِيَارٍ فِي عَمَلِهِ غَيْرَ مَحْدُودٍ، وَأَنَّ التَّرْجِيحَ بَيْنَ مَا يَتَعَارَضُ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَعِنُّ لَهُ تَكُونُ بِحَسْبِ عِلْمِهِ، وَأَنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِوُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ فَقَدْ يُوَجِّهُ الْإِرَادَةَ إِلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَسَادُ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لَازِمُ الْوُقُوعِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ الْمُحِيطَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ - تَعَالَى -، فَعَجِبُوا كَيْفَ يَخْلُقُ اللهُ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْخَلْقِ وَسَأَلُوا اللهَ - تَعَالَى - بِلِسَانِ الْمَقَالِ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ، أَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالتَّوْجِيهِ إِلَيْهِ لِاسْتِفَاضَةِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ وَطَلَبِ الْبَيَانِ وَالْحِكْمَةِ، وَعَبَّرَ اللهُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْهُودُ بِالِاسْتِعْلَامِ وَالِاسْتِفْهَامِ عِنْدَ الْبَشَرِ الَّذِينَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ لِهِدَايَتِهِمْ، كَمَا نَسَبَ الْقَوْلَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ :(قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (٤١ : ١١).
فَأَوَّلُ مَا أُلْقِيَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْإِلْهَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ طُرُقِ الْإِعْلَامِ هُوَ وُجُوبُ الْخُضُوعِ وَالتَّسْلِيمِ لِمَنْ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَضِيقُ عَنْهُ عِلْمُ أَحَدٍ وَيَحَارُ فِي كَيْفِيَّتِهِ يَتَّسِعُ لَهُ عِلْمُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَمِنْ شَأْنِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُسَلِّمَ لِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ مَا يَتَصَدَّى لَهُ مَهْمَا يَكُنْ بَعِيدَ الْوُقُوعِ فِي اعْتِقَادِهِ، وَمَثَّلَ الْأُسْتَاذُ لِذَلِكَ بِمَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ مَعَ مُرِيدِيهِمْ.


الصفحة التالية
Icon