(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) بَادَرُوا إِلَى السُّؤَالِ وَاسْتِفْهَامِ الِاسْتِغْرَابِ وَ (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) فَيَغْفُلُ بِذَلِكَ عَنْ تَسْبِيحِكَ وَتَقْدِيسِكَ (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) بِلَا غَفْلَةٍ وَلَا فُتُورٍ ؟ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ نَشَأَ مِنْ فَهْمِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنَ الْخَلِيفَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنَ الْعِلْمِ غَيْرِ الْمَحْدُودِ وَالْإِرَادَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَكَوْنُ هَذَا الْعِلْمِ الْمُصْرِّفِ لِلْإِرَادَةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالتَّدْرِيجِ، وَكَوْنُ عَدَمِ الْإِحَاطَةِ مَدْعَاةٌ لِلْفَسَادِ وَالتَّنَازُعِ الْمُفْضِي إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.
نَعَمْ إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ الْوَاسِعَ لَا يُعْطَاهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ وَلَا مَجْمُوعُ النَّوْعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً
فَيُشَابِهُ عِلْمُهُ عِلْمَ اللهِ - تَعَالَى -، وَكُلَّمَا أُوتِيَ نَصِيبًا مِنْهُ ظَهَرَ لَهُ مِنْ جَهْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكُلَّمَا أُعْطِيَ حَظًّا مِنَ الْأَدَبِ وَالْعَقْلِ ظَهَرَ لَهُ ضَعْفُ عَقْلِهِ، وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ :

كُلَّمَا أَدَّبَنِي الدَّهْـ ـرُ أَرَانِي نَقْصَ عَقْلِي
وَإِذَا مَا ازْدَدْتُ عِلْمًا
زَادَنِي عِلْمًا بِجَهْلِي


الصفحة التالية
Icon