الثالث لا تعلمون شيئاً من منافعكم ؛ وتَمّ الكلام، ثم ابتدأ فقال :﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة ﴾ أي التي تعلمون بها وتدركون ؛ لأن الله جعل ذلك لعباده قبل إخراجهم من البطون وإنما أعطاهم ذلك بعد ما أخرجهم ؛ أي وجعل لكم السمع لتسمعوا به الأمر والنهي، والأبصار لتبصروا بها آثار صنعه، والأفئدة لتصلوا بها إلى معرفته.
والأفئدة : جمع الفؤاد نحو غراب وأغربة.
وقد قيل في ضمن قوله "وجعل لَكُمُ السَّمْعَ" إثبات النطق لأن من لم يسمع لم يتكلم، وإذا وجدت حاسة السمع وجد النطق.
وقرأ الأعمش وابن وَثّاب وحمزة "إمّهاتِكم" هنا وفي النور والزُّمَر والنجم، بكسر الهمزة والميم.
وأما الكسائي فكسر الهمزة وفتح الميم ؛ وإنما كان هذا للإتباع.
الباقون بضم الهمزة وفتح الميم على الأصل.
وأصل الأمهات : أمّات، فزيدت الهاء تأكيداً كما زادوا هاء في أهرقت الماء وأصله أرقت.
وقد تقدّم هذا المعنى في "الفاتحة".
﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ فيه تأويلان : أحدهما تشكرون نعمه.
الثاني يعني تبصرون آثار صنعته ؛ لأن إبصارها يؤدي إلى الشكر.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السمآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله ﴾
قرأ يحيى بن وَثّاب والأعمش وابن عامر وحمزة ويعقوب "تروا" بالتاء على الخطاب، واختاره أبو عبيد.
الباقون بالياء على الخبر.
﴿ مُسَخَّرَاتٍ ﴾ مُذَللات لأمر الله تعالى ؛ قاله الكلبي.
وقيل :"مسخراتٍ" مذللات لمنافعكم.
﴿ فِي جَوِّ السمآء ﴾ الجوُّ ما بين السماء والأرض ؛ وأضاف الجَوّ إلى السماء لارتفاعه عن الأرض.
وفي قوله "مسخراتٍ" دليلٌ على مُسَخِّر سَخّرها ومُدَبِّر مَكّنها من التصرف.
﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله ﴾ في حال القبض والبسط والاصطفاف.
بيّن لهم كيف يعتبرون بها على وحدانيته.
﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ ﴾ أي علامات وعبرا ودلالات.
﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ بالله وبما جاءت به رسله. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٠ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon