وقال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ﴾
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ :" أَنَّهُ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْكَافِرِ الَّذِي لَا خَيْرَ عِنْدَهُ وَالْمُؤْمِنِ الَّذِي يَكْتَسِبُ الْخَيْرَ " وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ :" هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِعِبَادَتِهِمْ الْأَوْثَانَ الَّتِي لَا تَمْلِكُ شَيْئًا وَالْعُدُولِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ الَّذِي يَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ حَوَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ضُرُوبًا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ : أَحَدَهَا : قَوْلُهُ :﴿ عَبْدًا مَمْلُوكًا ﴾ نَكِرَةً، فَهُوَ شَائِعٌ فِي جِنْسِ الْعَبِيدِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : لَا تُكَلِّمْ عَبْدًا وَأَعْطِ هَذَا عَبْدًا، أَنَّ ذَلِكَ يَنْتَظِمُ كُلَّ مَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ فَكُلُّ مَنْ لَحِقَهُ هَذَا الِاسْمُ قَدْ انْتَظَمَهُ الْحُكْمُ ؛ إذْ كَانَ لَفْظًا مَنْكُورًا، كَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ عَبْدًا مَمْلُوكًا ﴾ قَدْ انْتَظَمَ سَائِرَ الْعَبِيدِ.
ثُمَّ قَالَ :﴿ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْقُدْرَةِ أَوْ نَفْيَ الْمِلْكِ أَوْ نَفْيَهُمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْقُدْرَةِ ؛ إذْ كَانَ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْقُدْرَةِ مِنْ حَيْثُ اخْتَلَفَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ أَقْدَرَ مِنْ الْحُرِّ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْقُدْرَةِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْمِلْكِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ.


الصفحة التالية
Icon