هذا دليل آخر على كمال قدرة الله تعالى وحكمته، فإنه لولا أنه تعالى خلق الطير خلقة معها يمكنه الطيران وخلق الجو خلقة معها يمكن الطيران فيه لما أمكن ذلك فإنه تعالى أعطى الطير جناحاً يبسطه مرة ويكسره أخرى مثل ما يعمله السابح في الماء، وخلق الهواء خلقة لطيفة رقيقة يسهل بسببها خرقه والنفاذ فيه، ولولا ذلك لما كان الطيران ممكناً.
وأما قوله تعالى :﴿ما يمسكهن إلا الله﴾ فالمعنى : أن جسد الطير جسم ثقيل، والجسم الثقيل يمتنع بقاؤه في الجو معلقاً من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه، فوجب أن يكون الممسك له في ذلك الجو هو الله تعالى، ثم من الظاهر أن بقاءه في الجو معلقاً فعله وحاصل باختياره، فثبت أن خالق فعل العبد هو الله تعالى.
قال القاضي : إنما أضاف الله تعالى هذا الإمساك إلى نفسه، لأنه تعالى هو الذي أعطى الآلات التي لأجلها يمكن الطير من تلك الأفعال، فلما كان تعالى هو المسبب لذلك لا جرم صحت هذه الإضافة إلى الله تعالى.
والجواب : أن هذا ترك للظاهر بغير دليل وأنه لا يجوز، لا سيما والدلائل العقلية دلت على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.
ثم قال تعالى في آخر الآية :﴿إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون﴾ وخص هذه الآيات بالمؤمنين لأنهم هم المنتفعون بها وإن كانت هذه الآيات آيات لكل العقلاء، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٠ صـ ٧١ ـ ٧٤﴾


الصفحة التالية
Icon