قلنا : القميص الواحد لما كان دافعاً للحر كان الاستكثار من القميص دافعاً للبرد فصح ما ذكرناه، وقوله :﴿وسرابيل تقيكم بأسكم﴾ يعني دروع الحديد، ومعنى البأس الشدة ويريد ههنا شدة الطعن والضرب والرمي.
واعلم أنه تعالى لما عدد أقسام نعمة الدنيا قال :﴿كذلك يتم نعمته عليكم﴾ أي مثل ما خلق هذه الأشياء لكم وأنعم بها عليكم فإنه يتم نعمة الدنيا والدين عليكم :﴿لعلكم تسلمون﴾ قال ابن عباس : لعلكم يا أهل مكة تخلصون لله الربوبية، وتعلمون أنه لا يقدر على هذه الإنعامات أحد سواه، ونقل عن ابن عباس أنه قرأ :﴿لعلكم تسلمون﴾ بفتح التاء، والمعنى : أنا أعطيناكم هذه السرابيلات لتسلموا عن بأس الحرب، وقيل أعطيتكم هذه النعم لتتفكروا فيها فتؤمنوا فتسلموا من عذاب الله.
ثم قال تعالى :﴿فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين﴾ أي فإن تولوا يا محمد وأعرضوا وآثروا لذات الدنيا ومتابعة الآباء والمعاداة في الكفر فعلى أنفسهم جنوا ذلك، وليس عليك إلا ما فعلت من التبليغ التام، ثم إنه تعالى ذمهم بأنهم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، وذلك نهاية في كفران النعمة.
فإن قيل : ما عنى ثم ؟
قلنا : الدلالة على أن إنكارهم أمر يستبعد بعد حصول المعرفة، لأن حق من عرف النعمة أن يعترف لا أن ينكر.
وفي المراد بهذه النعمة وجوه : الأول : قال القاضي : المراد بها جميع ما ذكره الله تعالى في الآيات المتقدمة من جميع أنواع النعم ؛ ومعنى أنهم أنكروه هو أنهم ما أفردوه تعالى بالشكر والعبادة، بل شكروا على تلك النعم غير الله تعالى ولأنهم قالوا : إنما حصلت هذه النعم بشفاعة هذه الأصنام.
والثاني : أن المراد أنهم عرفوا أن نبوة محمد ﷺ حق ثم ينكرونها، ونبوته نعمة عظيمة كما قال تعالى :﴿وما أرسلناك إلا رحمة العالمين ﴾.
الثالث : يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، أي لا يستعملونها في طلب رضوان الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon