ولما كانت الخيام، التي من جلود الأنعام، في ظلها الظليل تقارب بيوت القرى، جمعها جمعاً فقال تعالى :﴿بيوتاً﴾ فإنهم قالوا : إن هذا الجمع بالمسكن أخص، والأبيات بالشعر أخص ﴿تستخفونها﴾ أي تطالبون بالاصطناع خفها فتجدونها كذلك ﴿يوم ظعنكم﴾ أي وقت ارتحالكم، وعبر به لأنه في النهار أكثر ﴿ويوم إقامتكم﴾ ثم أتبعه ما به كمال السكن فقال تعالى :﴿ومن أصوافها﴾ أي الضأن منها ﴿وأوبارها﴾ وهي للإبل كالصوف للغنم ﴿وأشعارها﴾ وهي ما كان من المعز ونحوه من المساكن والملابس والمفارش والأخبية وغيرها ﴿أثاثاً﴾ أي متاعاً من متاع البيت كثيراً، من قولهم : شهر أثيث أي كثير، وأث النبت.
إذا كثر ﴿ومتاعاً﴾ تتمتعون به ﴿إلى حين﴾ أي وقت غير معين بحسب كل إنسان في فقد ذلك، وأعرض عن ذكر الحرير والكتان والقطن لأنها لم تكن من صناعتهم، وإشارة إلى الاقتصاد وعدم الإسراف.
ولما ذكر ما يخصهم، أتبعه ما يشاركون فيه سائر الحيوانات فقال :﴿والله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام ﴿جعل لكم﴾ أي من غير حاجة منه سبحانه ﴿مما خلق ظلالاً﴾ من الأشجار والجبال وغيرها ﴿وجعل لكم﴾ أي مع غناه المطلق ﴿من الجبال أكناناً﴾ جمع كن وهو ما يستكن به - أي يستتر - من الكهوف ونحوها، ولو كان الخالق غير مختار لكانت على سنن واحد لا ظلال ولا أكنان ؛ ثم أتبع ذلك ما هداهم إليه عوضاً مما جعله لسائر الحيوان فقال :﴿وجعل لكم﴾ أي مَنّاً منه عليكم ﴿سرابيل﴾ أي ثياباً ﴿تقيكم الحر﴾ وهي كل ما لبس من قميص وغيره - كما قال الزجاج.