فلما صار هذا البيان، إلى أجلى من العيان، كان ربما وقع في الوهم أنهم إن لم يجيبوا لِحقَ الداعي بسبب إعراضهم حرج، فقال تعالى نافياً لذلك معرضاً عنهم بإعراض المغضب، مقبلاً عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إقبال المسلي، معبراً بصيغة التفعل المفهمة لأن الفطر الأولى داعية إلى الإقبال على الله فلا يعرض صاحبها عما يرضيه سبحانه إلا بنوع معالجة :﴿فإن تولوا﴾ أي كلفوا أنفسهم الإعراض ومتابعة الأهواء فلا تقصير عليك بسبب توليهم ولا حرج ﴿فإنما﴾ أي بسبب أنه إنما ﴿عليك البلاغ المبين﴾ وليس عليك أن تردهم عن العناد، فكأنه قيل : فهل كان إعراضهم عن جهل أو عناد؟ فقيل فيهم وفيهم :﴿يعرفون﴾ أي كلهم ﴿نعمت الله﴾ أي الملك الأعظم، التي تقدم عد بعضها في هذه السورة وغيرها ﴿ثم ينكرونها﴾ بعبادتهم غير المنعم بها أو بتكذيب الآتي بالتنبيه عليها، بعضهم لضعف معرفته، وبعضهم عناداً، وكان بعضهم يقول : هي من الله ولكن بشفاعة آلهتنا ﴿وأكثرهم﴾ أي المدعوين بالنسبة إلى جميع أهل الأرض الذين أدركتهم دعوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿الكافرون﴾ أي المعاندون الراسخون في الكفر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٢٩٧ ـ ٢٩٩﴾