الرابع : أنه تعالى لو صرح وقال : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ولكنه تمنع منه ويصد عنه ولا يمكن العبد منه.
ثم قال :﴿وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي﴾ ولكنه يوجد كل هذه الثلاثة في العبد شاء أم أبى وأراده منه ومنعه من تركه، ومن الاحتراز عنه لحكم كل أحد عليه بالركاكة وفساد النظم والتركيب، وذلك يدل على كونه سبحانه متعالياً عن فعل القبائح.
واعلم أن هذا النوع من الاستدلال كثير، وقد مر الجواب عنه والمعتمد في دفع هذه المشاغبات التعويل على سؤال الداعي وسؤال العلم، والله أعلم.
المسألة الثالثة :
اتفق المتكلمون من أهل السنة ومن المعتزلة على أن تذكر الأشياء من فعل الله لا من فعل العبد، والدليل عليه هو أن التذكرة عبارة عن طلب المتذكر فحال الطلب إما أن يكون له به شعور أو لا يكون له به شعور.
فإن كان له شعور فذلك الذكر حاصل، والحاصل لا يطلب تحصيله.
وإن لم يكن له به شعور فكيف يطلبه بعينه، لأن توجيه الطلب إليه بعينه حال ما لا يكون هو بعينه متصوراً محال.
إذا ثبت هذا فنقول : قوله :﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ معناه أن المقصود من هذا الوعظ أن يقدموا على تحصيل ذلك التذكر، فإذا لم يكن التذكر فعلاً له فكيف طلب منه تحصيله، وهذا هو الذي يحتج به أصحابنا على أن قوله تعالى :﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ لا يدل على أنه تعالى يريد منه ذلك، والله أعلم.
﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ﴾
اعلم أنه تعالى لما جمع كل المأمورات والمنهيات في الآية الأولى على سبيل الإجمال، ذكر في هذه الآية بعض تلك الأقسام، فبدأ تعالى بالأمر بالوفاء بالعهد وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :