في انتصاب قوله :﴿أنكاثا﴾ وجوه : الأول : قال الزجاج : أنكاثاً منصوب لأنه بمعنى المصدر لأن معنى نكثت نقضت ومعنى نقضت نكثت، وهذا غلط منه، لأن الأنكاث جمع نكث وهو اسم لا مصدر فكيف يكون قوله :﴿أنكاثا﴾ بمعنى المصدر ؟ الثاني : قال الواحدي : أنكاثاً مفعول ثان كما تقول كسره أقطاعاً وفرقه أجزاء على معنى جعله أقطاعاً وأجزاء فكذا ههنا قوله : نقضت غزلها أنكاثاً أي جعلت غزلها أنكاثاً.
الثالث : إن قوله :﴿أنكاثا﴾ حال مؤكدة.
المسألة الخامسة :
قال ابن قتيبة : هذه الآية متصلة بما قبلها، والتقدير : وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم مثل المرأة التي غزلت غزلاً وأحكمته فلما استحكم نقضته فجعلته أنكاثاً.
ثم قال تعالى :﴿تَتَّخِذُونَ أيمانكم دَخَلاً بَيْنَكُمْ﴾ قال الواحدي : الدخل والدغل الغش والخيانة.
قال الزجاج : كل ما دخله عيب قيل هو مدخول وفيه دخل، وقال غيره : الدخل ما أدخل في الشيء على فساد.
ثم قال :﴿أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾ أربى أي أكثر من ربا الشيء يربو إذا زاد، وهذه الزيادة قد تكون في العدد وفي القوة وفي الشرف.
قال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء ثم يجدون من كان أعز منهم وأشرف فينقضون حلف الأولين ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز، فنهاهم الله تعالى عن ذلك.
وقوله :﴿أَن تَكُونَ﴾ معناه أنكم تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم بسبب أن تكون أمة أربى من أمة في العدد والقوة والشرف.
فقوله :﴿تَتَّخِذُونَ أيمانكم دَخَلاً بَيْنَكُمْ﴾ استفهام على سبيل الإنكار، والمعنى : أتتخذون أيمانكم دخلاً بينكم بسبب أن أمة أزيد في القوة والكثرة من أمة أخرى.