الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْإِحْسَانُ : وَهُوَ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ : فَأَمَّا فِي الْعِلْمِ فَبِأَنْ تَعْرِفَ حُدُوثَ نَفْسِك وَنَقْصَهَا، وَوُجُوبَ الْأَوَّلِيَّةِ لِخَالِقِهَا وَكَمَالِهِ.
وَأَمَّا الْإِحْسَانُ فِي الْعَمَلِ فَالْحَسَنُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، حَتَّى إنَّ الطَّائِرَ فِي سِجْنِك، وَالسِّنَّوْرَ فِي دَارِك، لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقَصِّرَ فِي تَعَهُّدِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي
هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا لَا هِيَ سَقَتْهَا وَلَا أَطْعَمَتْهَا وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ﴾.
وَيُقَالُ : الْإِحْسَانُ أَلَّا تَتْرُكَ لِأَحَدٍ حَقًّا، وَلَا تَسْتَوْفِيَ مَا لَك.
وَقَدْ ﴿ قَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا الْإِحْسَانُ ؟ قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك ﴾.
وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا تَعْتَقِدُهُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْحَقِّ فِي كُلِّ حَالٍ، وَالْيَقِينُ بِأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْك ؛ فَلَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ تَعْصِيَ مَوْلَاك بِحَيْثُ يَرَاك.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ : يَعْنِي : فِي صِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِيفَاءِ الْحُقُوقِ ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الْعَدْلُ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ.
وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ إيتَاءُ حُقُوقِ الْخَلْقِ إلَيْهِمْ.
وَإِنَّمَا خَصَّ ذَوِي الْقُرْبَى ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ أَوْكَدُ، وَصِلَتَهُمْ أَوْجَبُ، لِتَأْكِيدِ حَقِّ الرَّحِمِ الَّتِي اشْتَقَّ اللَّهُ اسْمَهَا مِنْ اسْمِهِ، وَجَعَلَ صِلَتَهَا مِنْ صِلَتِهِ.