قلت : وهو في هذه الآية مراد بالمعنيين معاً ؛ فإنه تعالى يحب من خلقه إحسان بعضهم إلى بعض، حتى أن الطائر في سجنك والسِّنّوْر في دارك لا ينبغي أن تقصر تعهّده بإحسانك ؛ وهو تعالى غنيّ عن إحسانهم، ومنه الإحسان والنعم والفضل والمنن.
وهو في حديث جبريل بالمعنى الأوّل لا بالثاني ؛ فإن المعنى الأوّل راجع إلى إتقان العبادة ومراعاتها بأدائها المصححة والمكملة، ومراقبة الحق فيها، واستحضار عظمته وجلاله حالة الشروع وحالة الاستمرار.
وهو المراد بقوله " أنْ تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وأرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين : أحدهما غالب عليه مشاهدة الحق فكأنه يراه.
ولعلّ النبيّ ﷺ أشار إلى هذه الحالة بقوله :" وجُعلت قرّة عيني في الصلاة " وثانيهما لا تنتهي إلى هذا، لكن يغلب عليه أن الحق سبحانه مطلع عليه ومشاهد له، وإليه الاشارة بقوله تعالى ﴿ الذي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين ﴾ [ الشعراء : ٢١٨- ٢١٩ ] وقوله :﴿ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ [ يونس : ٦١ ].
الثالثة قوله تعالى :﴿ وَإِيتَآءِ ذِي القربى ﴾ أي القرابة ؛ يقول : يعطيهم المال كما قال ﴿ وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ ﴾ [ الإسراء : ٢٦ ] يعني صلته.
وهذا من باب عطف المندوب على الواجب، وبه استدّل الشافعيّ في إيجاب إيتاء المُكاتَب ؛ على ما يأتي بيانه.
وإنما خص ذا القربى لأن حقوقهم أوْكد وصلتهم أوجب ؛ لتأكيد حق الرّحِم التي اشتق الله اسمها من اسمه، وجعل صلتها من صلته، فقال في الصحيح :" أمَا تَرْضَيْن أن أصِل من وصلك وأقطعَ من قطعك " ولا سِيّما إذا كانوا فقراء.
الرابعة قوله تعالى :﴿ وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي ﴾ الفحشاء : الفُحْش، وهو كل قبيح من قول أو فعل.
ابن عباس : هو الزنى.


الصفحة التالية
Icon