وقال الآلوسى :
﴿ إِنَّ الله يَأْمُرُ ﴾
أي فيما نزله عليك تبياناً لكل شيء، وإيثار صيغة الاستقبال فيه وفيما بعده لإفادة التجدد والاستمرار ﴿ بالعدل ﴾ أي بمراعاة التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وهو رأس الفضائل كلها يندرج تحته فضيلة القوة العقلية الملكية من الحكمة المتوسطة بين الجربزة والبلادة، وفضيلة القوة الشهوية البهيمية من العفة المتوسطة بين الخلاعة والجمود، وفضيلة القوة الغضبية السبعية من الشجاعة المتوسطة بين التهور والجبن.
فمن الحكم الاعتقادية التوحيد المتوسط بين التعطيل ونفي الصنائع كما تقوله الدهرية والتشريك كما تقوله الثنوية والوثنية، وعليه اقتصر ابن عباس في تفسير ﴿ العدل ﴾ على ما رواه عنه البيهقي في الأسماء والصفات.
وابن جرير.
وابن المنذر.
وغيرهم، وضم إليه بعضهم القول بالكسب المتوسط بين محض الجبر والقدر.
ومن الحكم العملية التعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة وترك العمل لزعم أنه لا فائدة فيه إذ الشقي والسعيد متعينان في الأزل كما ذهب إليه بعض الملاحدة والترهب بترك المباحات تشبيهاً بالرهبان.
ومن الحكم الخلقية الجد المتوسط بين البخل والتبذير.
وعن سفيان بن عيينة أن العدل استواء السريرة والعلانية في العمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : دعاني عمر بن عبد العزيز فقال لي : صف لي العدل فقلت بخ سألت عن أمر جسيم كن لصغير الناس أباً ولكبيرهم ابناً وللمثل منهم أخاً وللنساء كذلك وعاقب الناس على قدر ذنوبهم وعلى قدر أجسادهم ولا تضربن لغضبك سوطاً واحداً فتكون من العادين، ولعل اختيار ذلك لأنه الأوفق بمقام السائل وإلا فما تقدم في تفسير أولى.


الصفحة التالية
Icon