ولما كان هذا خاصاً بالأيمان، أتبعه النهي عن الخيانة في عموم العهد تأكيداً بعد تأكيد للدلالة على عظيم النقض فقال تعالى :﴿ولا تشتروا﴾ أي تكلفوا أنفسكم لجاجاً وتركاً للنظر في العواقب أن تأخذوا وتستبدلوا ﴿بعهد الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿ثمناً قليلاً﴾ أي من حطام الدنيا وإن كنتم ترونه كثيراً، ثم علل قلته بقوله تعالى :﴿إنما عند الله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام من ثواب الدارين ﴿هو خير لكم﴾ ولا يعدل عن الخير إلى ما دونه إلا لجوج ناقص العقل ؛ ثم شرط علم خيريته بكونهم من ذوي العلم فقال تعالى :﴿إن كنتم﴾ أي بجبلاتكم ﴿تعلمون﴾ أي ممن يتجدد له علم ولم تكونوا في عداد البهائم، فصار العهد الشامل للأيمان مبدوءاً في هذه الآيات بالأمر بالوفاء به ومختوماً بالنهي عن نقضه، والأيمان التي هي أخص منه وسط بين الأمر والنهي المتعلقين به، فصار الحث عليها على غاية من التأكيد عظيمة ورتبة من التوثيق جليلة، ثم بين خيريته وكثرته بقوله تعالى على سبيل التعليل :﴿ما عندكم﴾ أي من أعراض الدنيا، وهو الذي تتعاطونه بطباعكم ﴿ينفد﴾ أي يفنى، فصاحبه منغص العيش أشد ما يكون به اغتباطاً بانقطاعه أو بتجويز انقطاعه إن كان في عداد من يعلم ﴿وما عند الله﴾ أي الذي له الأمر كله من الثواب ﴿باق﴾ فليؤتينكم منه إن ثبتم على عهده ؛ ثم لوح بما في ذلك من المشقة عطفاً على هذا المقدر فقال تعالى مؤكداً لأجل تكذيب المكذبين :﴿ولنجزين﴾ أي الله - على قراءة الجماعة بالياء ونحن - على قراءة ابن كثير وعاصم بالنون التفاتاً إلى التكلم للتعظيم ﴿الذين صبروا﴾ على الوفاء بما يرضيه من الأوامر والنواهي ﴿أجرهم﴾ ولما كان كرماء الملوك يوفون الأجور بحسب الأعمال من الأحسن وما دونه، أخبر بأنه يعمد إلى الأحسن فيرفع الكل إليه ويسوي الأدون به فقال :﴿بأحسن ما كانوا﴾ أي كوناً هو جبلة لهم ﴿يعملون ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٣٠٧ ـ ٣٠٩﴾


الصفحة التالية
Icon