ولما كان المعنى هنا : لا يتخذ كل واحد منكم، جاء فنزل قدم مراعاة لهذا المعنى ثم قال : وتذوقوا، مراعاة للمجموع، أو للفظ الجمع على الوجه الكثير.
إذا قلنا : إن الإسناد لكل فرد فرد، فتكون الآية قد تعرضت للنهي عن اتخاذ الأيمان دخلاً باعتبار المجموع وباعتبار كل فرد فرد، ودل على ذلك بإفراد قدم وبجمع الضمير في : وتذوقوا.
وما مصدرية في بما صددتم، أي : بصدودكم أو بصدكم غيركم، لأنهم لو نقضوا الأيمان وارتدوا لاتخذ نقضها سنة لغيرهم فيسبون بها، وذوق السوء في الدنيا.
ولكم عذاب عظيم أي : في الآخرة.
والسوء : ما يسوءهم من قتل، ونهب، وأسر، وجلاء، وغير ذلك مما يسوء.
قال ابن عطية : وقوله صددتم عن سبيل الله، يدل على أنّ الآية فيمن بايع رسول الله ( ﷺ )، وعلى هذا فسر الزمخشري قال : لأنهم قد نقضوا أيمان البيعة.
ولا يدل على ذلك لخصوصه، بل نقض الأيمان في البيعة مندرج في العموم.
ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً، هذا نهي عن نقض ما بين الله تعالى والعبد لأخذ حطام من عرض الدنيا.
قال الزمخشري : كان قوم ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم لهم، ولما كانوا يعدونهم إنْ رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله ( ﷺ ) فثبتهم الله.
ولا تشتروا : ولا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسول الله ثمناً قليلاً عرضاً من الدنيا يسيراً، وهو ما كانت قريش يعدونهم ويمنونهم إن رجعوا أنّ ما عند الله من إظهاركم وتغنيمكم ومن ثواب الآخرة خير لكم.
وقال ابن عطية : هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال على ترك ما يجب على الآخذ فعله، أو فعل ما يجب عليه تركه، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها وبين تعالى الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة، بأنّ هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان، وينقضي عنها، والتي في الآخرة باقية دائمة.