ولما كان لذلك اليوم من التحقق ما لا شبهة فيه بوجه وكذا شهادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عبر بالماضي إشارة إلى ذلك، وإلى أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يزل من حين بعثه متصفاً بهذه الصفة العلية فقال تعالى :﴿وجئنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿بك شهيداً﴾ أي شهادة هي مناسبة لعظمتنا ﴿على هؤلاء﴾ أي الذين بعثناك إليهم وهم أهل الأرض، وأكثرهم ليس من وقوعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولذلك لم يقيد بعثته بشيء ؛ ثم بين أنه لا إعذار في شهدائه فإنه لا حجة في ذلك اليوم لمن خالف أمره اليوم، لأنه سبحانه أزاح العلل، وترك الأمر على بيضاء نقية ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فقال عاطفاً على قوله ﴿وما أنزلنا عليك الكتاب﴾ - الآية، المتعقب لقوله ﴿لا جرم﴾ - الآيتين :﴿ونزلنا﴾ أي بعظمتنا بحسب التدريج والتنجيم ﴿عليك الكتاب﴾ الجامع للهدى ﴿تبياناً﴾ أي لأجل البيان التام، قالوا : وهو اسم وليس بمصدر كتلقاء ﴿لكل شيء﴾ ورد عليك من أسئلتهم ووقائعهم وغير ذلك، وهو في أعلى طبقات البيان كما أنه في أعلى طبقات البلاغة، لأن المعنى به أسرع إلى الأفهام وأظهر، في الإدراك، والنفس أشد تقبلاً له لما هو عليه من حسن النظام والقرب إلى الافهام، وإنما احتيج إلى تفسيره مع أنه في نهاية البيان لتقصير الإنسان في العلم بمذاهب العرب الذين هم الأصل في هذا اللسان، وتقصير العرب عن جميع مقاصده كما قصروا عن درجته في البلاغة، فرجعت الحاجة إلى تقصير الفهم لا إلى تقصير الكلام في البيان، ولهذا تفاوت الناس في فهمه لتفاوتهم في درجات البلاغة ومعرفة طرق العرب في جميع أساليبها ؛ قال الإمام الشافعي ـ رضى الله عنهم ـ في آخر خطبة الرسالة بعد أن دعا الله تعالى أن يرزقه فهماً في كتابه ثم في سنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، واحتج


الصفحة التالية
Icon