واعلم أن ما كان واجب التغير فإنه عند وصوله إليه لا تنقلب حقيقته ولا تتبدل ماهيته، فعند وصوله إليه يكون أيضاً واجب التغير، فعند ذلك لا يطبع العاقل قلبه عليه ولا يقيم له في قلبه وزناً بخلاف الجاهل فإنه يكون غافلاً عن هذه المعارف فيطبع قلبه عليها ويعانقها معانقة العاشق لمعشوقه فعند فوته وزواله يحترق قلبه ويعظم البلاء عنده، فهذه وجوه كافية في بيان أن عيش المؤمن العارف أطيب من عيش الكافر هذا كله إذا فسرنا الحياة الطيبة بأنها في الدنيا.
والقول الثاني : وهو قول السدي إن هذه الحياة الطيبة إنما تحصل في القبر.
والقول الثالث : وهو قول الحسن وسعيد بن جبير إن هذه الحياة الطيبة لا تحصل إلا في الآخرة والدليل عليه قوله تعالى :﴿يا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحاً فملاقيه﴾ [ الإنشقاق : ٦ ] فبين أن هذا الكدح باقٍ إلى أن يصل إلى ربه وذلك ما قلناه، وأما بيان أن الحياة الطيبة في الجنة فلأنها حياة بلا موت وغنى بلا فقر، وصحة بلا مرض، وملك بلا زوال، وسعادة بلا شقاء، فثبت أن الحياة الطيبة ليست إلا تلك الحياة، ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله :﴿وَلنَجْزِيَنَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وقد سبق تفسيره، والله أعلم.
﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) ﴾
اعلم أنه لما قال قبل هذه الآية :﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [ النحل : ٩٧ ] أرشد إلى العمل الذي به تخلص أعماله عن الوساوس فقال :﴿فَإِذَا قَرَأْتَ القرءان فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم﴾ وفي الآية مسائل :