وقال أبو السعود :
﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ ﴾
أي إذا أنزلنا آيةً من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلاً منها بأن نسخناها بها ﴿ والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ ﴾ أولاً وآخِراً وبأن كلاًّ من ذلك ما نزلت حيثما نزلت إلا حسبما تقتضيه الحِكمةُ والمصلحة، فإن كل وقت له مقتضًى غيرُ مقتضى الآخَر، فكم من مصلحة في وقت تنقلب في وقت آخرَ مفسدةً وبالعكس، لانقلاب الأمورِ الداعية إلى ذلك وما الشرائعُ إلا مصالحُ للعباد في المعاش والمعاد، تدور حسبما تدور المصالحُ، والجملةُ إما معترضةٌ لتوبيخ الكفرةِ والتنبيهِ على فساد رأيهم، وفي الالتفات إلى الغَيبة مع إسناد الخبرِ إلى الاسم الجليلِ المستجمِع للصفات ما لا يخفى من تربية المهابةِ وتحقيقِ معنى الاعتراض أو حالية وقرىء بالتخفيف من الإنزال ﴿ قَالُواْ ﴾ أي الكفرة الجاهلون بحكمة النسخ ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ﴾ أي متقوّلٌ على الله تعالى تأمر بشيء ثم يبدو لك فتنهى عنه، وحكايةُ هذا القول عنهم هاهنا للإيذان بأن ذلك كَفْرةٌ ناشئةٌ من نزغات الشيطان وأنه وليُّهم ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمون شيئاً أصلاً أو لا يعلمون أن في النسخ حِكَماً بالغةً، وإسنادُ هذا الحكمِ إلى الأكثر لما أن منهم مَنْ يعلم ذلك وإنما ينكره عِناداً.
﴿ قُلْ نَزَّلَهُ ﴾


الصفحة التالية
Icon