﴿ وَهُدًى وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ عطف على محل ﴿ لِيُثَبّتَ ﴾ عند الزمخشري ومن تابعه وهو نظير زرتك لأحدثك واجلالاً لك أي تثبيتاً وهداية وبشارة، وتعقب بأنه إذا اعتبر الكل فعل المنزل على الإسناد المجازي لم يكن للفرق بادخال اللام في البعض والترك في البعض وجه ظاهر، وكذا إذا اعتبر فعل الله تعالى كما هو كذلك على الحقيقة وإذا اعتبر البعض فعل المنزل ليتحد فاعل المصدر وفاعل المعلل به فيترك اللام له والبعض الآخر فعل الله تعالى ليختلف الفاعل فيؤتي باللام لم يكن لهذا التخصيص وجه ظاهر أيضاً ويفوت به حسن النظم.
وقال الخفاجي يوجه ترك اللام في المعطوف دون المعطوف عليه مع وجود شرط الترك فيهما بأن المصدر المسبوك معرفة على ما تقرر في العربية والمفعول له الصريح وإن لم يجب تنكيره كما عزى للرياشي فخلافه قليل كقوله :
وأغفر عوراء الكريم ادخاره...
ففرق بينهما تفنناً وجرياً على الأفصح فيهما، والنكتة فيه أن التثبيت أمر عارض بعد حصول المثبت عليه فاختير فيه صيغة الحدوث مع ذكر الفاعل إشارة إلى أنه فعل لله تعالى مختص به بخلاف الهداية والبشارة فإنهما يكونان بالواسطة، وقيل : إن وجود الشرط مجوز لا موجب والاختيار مرجح مع ما في ذلك من فائدة بيان جواز الوجهين، وفيه أنه لا يصلح وجهاً عند التحقيق، وقد اعترض أبو حيان هنا بما تقدم في الكلام على قوله تعالى :﴿ لِتُبَيّنَ لَهُمُ الذى اختلفوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً ﴾ [ النحل : ٦٤ ]، وذكر أنه لا يمتنع أن يكون العطف على المصدر المنسبك لأنه مجرور فيكون ﴿ هُدًى وبشرى ﴾ مجرورين، وجوز أبو البقاء أن يكونا مرفوعين على أنهما خبراً مبتدأ محذوف أي وهو هدى وبشرى، والجملة في موضع الحال من الهاء في دنزله }.


الصفحة التالية
Icon