الفاء في قوله ﴿ فإذا ﴾ واصلة بين الكلامين، والعرب تستعملها في مثل هذا، وتقدير الآية فإذا أخذت في قراءة القرآن كما قال عز وجل ﴿ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ﴾ [ المائدة : ٦ ]، وكما تقول لرجل إذ أكلت فَقُل : بسم الله، و" الاستعاذة " ندب عند الجميع، وحكى النقاش عن عطاء أن التعوذ واجب، ولفظ الاستعاذة هو على رتبة الآية، وقد ذكرت الخلاف الذي قيل فيه في صدر هذا الكتاب، و﴿ الرجيم ﴾ المرجوم باللغة وهو إبليس، ثم أخبر الله تعالى أن إبليس ليس له ملكة ولا رياسة، هذا ظاهر " السلطان " عندي في هذه الآية، وذلك أن " السلطان " إن جعلناه الحجة فليس له حجة في الدنيا على أحد لا مؤمن ولا كافر، اللهم إلا أن يتأول متأول ﴿ ليس له سلطان ﴾ يوم القيامة، فيستقيم أن يكون بمعنى الحجة لأن إبليس له حجة على الكافرين أنه دعاهم بغير دليل فاستجابوا له من قبل أنفسهم، وهؤلاء الذين لا سلطان ولا رياسة لإبليس عليهم هم المؤمنون أجمعون، لأن الله لم يجعل سلطانه إلا على المشركين الذين يتولونه، والسلطان منفي هاهنا في الإشراك، إذ له عليهم ملكة ما في المعاصي وهم الذين قال الله فيهم ﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ﴾ [ الحجر : ٤٢ ] وهم الذين قال إبليس فيهم ﴿ إلا عبادك منهم المخلصين ﴾ [ الحجر : ٤٠ ]، و﴿ يتولونه ﴾ معناه يجعلونه ولياً، والضمير فيه يحتمل أن يعود على اسم الله عز وجل، والظاهر أنه يعود على اسم إبليس، بمعنى من أجله وبسببه، كما تقول لمعلمك : أنا عالم بك، أي بسببك، فكأنه قال : والذين هم بسببه مشركون بالله، وهذا الإخبار بأن لا سلطان للشيطان على المؤمنين بعقب الأمر بالاستعاذة، تقتضي أن الاستعاذة تتصرف كيده، كأنها متضمنة للتوكل على الله والانقطاع إليه. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾