فيه مسألة واحدة وهي أن هذه الآية متصلة بقوله :﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾ فإذا أخذْتَ في قراءته فاستعذ بالله من أن يعرض لك الشيطان فيصدَّك عن تدبّره والعمل بما فيه ؛ وليس يريد استعذ بعد القراءة ؛ بل هو كقولك : إذا أكلت فقل بسم الله ؛ أي إذا أردت أن تأكل.
وقد روى جُبير بن مُطْعِم عن أبيه قال : سمعت رسول الله ﷺ حين افتتح الصلاة قال :" اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من هَمْزه ونَفْخه ونَفْثه " وروى أبو سعيد الخُدْرِيّ أن النبيّ ﷺ كان يتعوّذ في صلاته قبل القراءة.
قال الكِيَا الطبري : ونُقل عن بعض السلف التعوّذ بعد القراءة مطلقاً، احتجاجاً بقوله تعالى :﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾ ولا شك أن ظاهر ذلك يقتضي أن تكون الاستعاذة بعد القراءة ؛ كقوله تعالى :﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة فاذكروا الله قِيَاماً وَقُعُوداً ﴾ [ النساء : ١٠٣ ] إلا أن غيره محتمل، مثلُ قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ] وليس المراد به أن يسألها من وراء حجاب بعد سؤال متقدم.
ومثله قول القائل : إذا قلت فاصدق، وإذا أحرمت فاغتسل ؛ يعني قبل الإحرام.
والمعنى في جميع ذلك : إذا أردت ذلك ؛ فكذلك الاستعاذة.
وقد تقدم هذا المعنى، وتقدّم القول في الاستعاذة مستوفًى.
قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ ﴾
أي بالإغواء والكُفْر، أي ليس لك قدرة على أن تحملهم على ذنب لا يُغفر ؛ قاله سفيان.
وقال مجاهد : لا حجة له على ما يدعوهم إليه من المعاصي.


الصفحة التالية
Icon