وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ :﴿ إنْ عَادُوا فَعُدْ ﴾ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ لَا عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ وَلَا عَلَى النَّدْبِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا : الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعْطِيَ التَّقِيَّةَ وَلَا يُظْهِرَ الْكُفْرَ حَتَّى يُقْتَلَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ مُبَاحًا لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ خَبِيبَ بْنَ عَدِيٍّ لَمَّا أَرَادَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لَمْ يُعْطِهِمْ التَّقِيَّةَ حَتَّى قُتِلَ فَكَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلَ مِنْ عَمَّارٍ فِي إعْطَائِهِ التَّقِيَّةَ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ إعْطَاءِ التَّقِيَّةِ إعْزَازًا لِلدِّينِ وَغَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَاتَلَ الْعَدُوَّ حَتَّى قُتِلَ، فَحَظُّ الْإِكْرَاهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إسْقَاطُ الْمَأْثَمِ عَنْ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ حَتَّى يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَقُلْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ﴾، فَجَعَلَ الْمُكْرَهَ كَالنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ فِي إسْقَاطِ الْمَأْثَمِ عَنْهُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا مَأْثَمٌ وَلَا تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمٌ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَعَتَاقِهِ وَنِكَاحِهِ وَأَيْمَانِهِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا :" ذَلِكَ كُلُّهُ لَازِمٌ ".
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ :" لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ".