ولما لم يكن قص ذلك عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مستغرقاً زمان القبل، أدخل الجار فقال :﴿من قبل﴾ أي في الأنعام ﴿وما ظلمناهم﴾ أي الذين وقع منهم الهود بتحريمنا عليهم ما حرمنا ﴿ولكن كانوا﴾ أي دائماً طبعاً لهم وخلقاً مستمراً ﴿أنفسهم﴾ أي خاصة ﴿يظلمون﴾ أي بالبغي والكفر، فضيقنا عليهم معاملة بالعدل، وعاملناكم أنتم حيث ظلمتم بالفضل، فاشكروا النعمة واحذروا غوائل النقمة.
ولما بين هذه النعمة الدنيوية عطف عليها نعمة هي أكبر منها جداً، استجلاباً لكل ظالم، وبين عظمتها بحرف التراخي فقال تعالى :﴿ثم إن ربك﴾ أي المحسن إليك ﴿للذين عملوا السوء﴾ وهو كل ما من شأنه أن يسوء، وهو ما لا ينبغي فعله ﴿بجهالة﴾ كما عملتم وإن عظم فعلهم وتفاحش جهلهم ﴿ثم تابوا ﴾.
ولما كان سبحانه يقبل اليسير من العمل، أدخل الجار فقال تعالى :﴿من بعد ذلك﴾ أي الذنب ول كان عظيماً، فاقتصروا على ما أذن فيه خالقهم ﴿وأصلحوا﴾ بالاستمرار على ذلك ﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بتسهيل دينك وتيسيره.
ولما كان إنما يغفر بعد التوبة ما عدا الشرك الواقع بعدها، أدخل الجار فقال تعالى :﴿من بعدها﴾ أي التوبة وما تقدمها من أعمال السوء ﴿لغفور﴾ أي بليغ الستر لما عملوا من السوء ﴿رحيم﴾ أي محسن بالإكرام فضلاً ونعمة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٣١٩ ـ ٣٢٠﴾