الثاني : أن تكون ( ما ) موصولة، والتقدير ولا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه هذا حلال وهذا حرام، وحذف لفظ فيه لكونه معلوماً.
المسألة الثالثة :
قوله تعال :﴿تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب﴾ من فصيح الكلام وبليغه كأن ماهية الكذب وحقيقته مجهولة وكلامهم الكذب يكشف حقيقة الكذب ويوضح ماهيته، وهذا مبالغ في وصف كلامهم بكونه كذباً، ونظيره قول أبي العلاء المعري :
سرى برق المعرة بعد وهن.. فبات برامة يصف الكلالا
والمعنى : أن سرى ذلك البرق يصف الكلال فكذا ههنا، والله أعلم.
ثم قال تعالى :﴿لّتَفْتَرُواْ على الله الكذب﴾ المعنى : أنهم كانوا ينسبون ذلك التحريم والتحليل إلى الله تعالى ويقولون : إنه أمرنا بذلك.
وأظن أن هذا اللام ليس لام الغرض، لأن ذلك الافتراء ما كان غرضاً لهم بل كان لام العاقبة كقوله تعالى :﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ [ القصص : ٨ ] قال الواحدي : وقوله :﴿لّتَفْتَرُواْ على الله الكذب﴾ بدل من قوله :﴿لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب﴾ لأن وصفهم الكذب هو افتراء على الله تعالى، ففسر وصفهم الكذب بالافتراء على الله تعالى، ثم أوعد المفترين، وقال :﴿إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ﴾ ثم بيّن أن ما هم فيه من نعيم الدنيا يزول عنهم عن قريب، فقال :﴿متاع قَلِيلٌ﴾ قال الزجاج : المعنى متاعهم متاع قليل، وقال ابن عباس : بل متاع كل الدنيا متاع قليل، ثم يردون إلى عذاب أليم، وهو قوله :﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨) ﴾