ولما قرر من عظمته في الدنيا والآخرة ما هو داعٍ إلى اتباعه، صرح بالأمر به تنبيهاً على زيادة عظمته بأمر متباعد في الرتبة على سائر النعوت التي أثنى عليه بها، وذلك كونه صار مقتدي لأفضل ولد آدم، مشيراً إلى ذلك بحرف التراخي الدال على علو رتبته بعلو رتبة من أمر باتباعه فيما مهده مما أمر به من التوحيد والطريق الواضح السهل فقال سبحانه :﴿ثم أوحينا﴾ أي ثم زدناه تعظيماً وجلالة بأن أوحينا ﴿إليك﴾ وأنت أشرف الخلق، وفسر الإيحاء بقوله عز وجل ترغيباً في تلقي هذا الوحي أحسن التلقي باقتفاء الأب الأعظم :﴿أن اتبع﴾ أي بغاية جهدك ونهاية همتك.
ولما كان المراد أصل الدين وحسن الاقتضاء فيه بسهولة الانقياد والانسلاخ من كل باطل، والدعوة بالرفق مع الصبر، وتكرير الإيراد للدلائل وكل ما يدعوا إليه العقل الصرف والفطرة السليمة، عبر بالملة فقال تعالى :﴿ملة إبراهيم﴾ ولا بعد في أن يفهم ذلك الهجرة أيضاً.
ولما كانت الحنيفية أشرف أخلاق إبراهيم عليه السلام، فكانت مقصودة بالذات، صرح بها فقال تعالى :﴿حنيفاً﴾ أي الحال كونك أو كونه شديد الانجذاب مع الدليل الحق ؛ ورغب العرب في التوحيد ونفرهم من الشرك بقوله تعالى :﴿وما كان﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿من المشركين﴾ ولما دعا سبحانه فيها إلى معالي الشيم وعدم الاعتراض، وختم بالأمر بالملة الحنيفية التي هي سهولة الانقياد للدليل، وعدم الكون مع الجامدين، اقتداء بالأب الأعظم، وكان الخلاف والعسر مخالفاً لملته، فكان لا يجر إلى خير، وكان من المعلوم أن كل حكم حدث بعده ليس من ملته، وكان اليهود يزعمون جهلاً أنه كان على دينهم، وكان السبت من أعظم شعائرهم، أنتج ذلك قوله تعالى جواباً لمن قد يدعي من اليهود أنه كان على دينهم، وتحذيراً من العقوبة على الاختلاف في الحق بالتشديد في الأمر.