البحث الأول : قال قوم : إن النبي ﷺ كان على شريعة إبراهيم عليه السلام، وليس له شرع هو به منفرد، بل المقصود من بعثته عليه السلام إحياء شرع إبراهيم عليه السلام وعول في إثبات مذهبه على هذه الآية وهذا القول ضعيف، لأنه تعالى وصف إبراهيم عليه السلام في هذه الآية بأنه ما كان من المشركين، فلما قال :﴿اتبع مِلَّةَ إبراهيم﴾ كان المراد ذلك.
فإن قيل : النبي ﷺ إنما نفى الشرك وأثبت التوحيد بناء على الدلائل القطعية وإذا كان كذلك لم يكن متابعاً له فيمتنع حمل قوله :﴿إِنْ أَتَّبِعْ﴾ على هذا المعنى فوجب حمله على الشرائع التي يصح حصول المتابعة فيها.
قلنا : يحتمل أن يكون المراد الأمر بمتابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد وهو أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن.
البحث الثاني : قال صاحب "الكشاف" : لفظة "ثم" في قوله :﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ تدل على تعظيم منزلة رسول الله ﷺ وإجلال محله والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله من الكرامة وأجل ما أوتي من النعمة اتباع رسول الله ﷺ ملته من قبل، إن هذه اللفظة دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة عن سائر المدائح التي مدحه الله بها.
﴿ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾
اعلم أنه تعالى لما أمر محمداً ﷺ بمتابعة إبراهيم عليه السلام، وكان محمد عليه السلام اختار يوم الجمعة، فهذه المتابعة إنما تحصل إذا قلنا إن إبراهيم عليه السلام كان قد اختار في شرعه يوم الجمعة، وعند هذا لسائل أن يقول : فلم اختار اليهود يوم السبت ؟
فأجاب الله تعالى عنه بقوله :﴿إِنَّمَا جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فِيهِ﴾ وفي الآية قولان :


الصفحة التالية
Icon