ونقول : اتقوا النار، أي : اجعلوا بينكم وبين النار وقاية، والوقاية من النار لا تكون إلا بطاعة الله باتباع أوامره، واجتناب نواهيه، إذن : المعنى واحد، ولكن جاء مرّة باللازم، ومرَّة بلازم اللازم.
وقوله :﴿ والذين هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ [ النحل : ١٢٨ ].
المحسن : هو الذي يُلزم نفسه في عبادة الله بأكثر مما ألزمه الله، ومن جنس ما ألزمه الله به، فإنْ كان الشرع فرض عليك خمس صلوات في اليوم والليلة، فالإحسان أن تزيدها ما تيسَّر لك من النوافل، وإنْ كان الصوم شهرَ رمضان، فالإحسان أنْ تصومَ من باقي الشهور كذا من الأيام، وكذلك في الزكاة، وغيرها مِمَّا فرض الله.
لذلك نجد أن الإحسان أعلى مراتب الدين، وهذا واضح في حديث جبريل حينما سأل رسول الله ﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقال :" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكُنْ تراه فإنه يراك ".
والآية الكريمة تُوحِي لنا بأن الذي اتقوا لهم جزاء ومعيّة، وأن الذين هم محسنون لهم جزاء ومعيّة، كُلٌّ على حسب درجته ؛ لأن الحق سبحانه يعطي من صفات كمال لخَلْقه على مقدار معيتهم معه سبحانه، فالذي اكتفى بما فرض عليه، لا يستوي ومَنْ أحسن وزاد، لا بُدَّ أن يكون للثاني مزيَّة وخصوصية.
وفي سورة الذاريات يقول تعالى :﴿ إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ﴾ [ الذاريات : ١٥-١٦ ].
لم يقل " مؤمنين " ؛ لأن المؤمن يأتي بما فُرِض عليه فحسب، لكن ما وجه الإحسان عندهم؟
يقول تعالى :﴿ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ * وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم ﴾ [ الذاريات : ١٧-١٩ ].
وكلها أمور نافلة تزيد عما فرض الله عليهم.


الصفحة التالية
Icon