وقال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾
رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ :" أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا مَثَّلُوا بِقَتْلَى أُحُدٍ قَالَ الْمُسْلِمُونَ : لَئِنْ أَظْهَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ أَعْظَمَ مِمَّا مَثَّلُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ " وَقَالَ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ سِيرِينَ : هُوَ فِي كُلِّ مَنْ ظُلِمَ بِغَضَبٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّمَا يُجَازَى بِمِثْلِ مَا عَمِلَ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : نُزُولُ الْآيَةِ عَلَى سَبَبٍ لَا يَمْنَعُ عِنْدَنَا اعْتِبَارَ عُمُومِهَا فِي جَمِيعِ مَا انْتَظَمَهُ الِاسْمُ، فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي جَمِيعِ مَا انْطَوَى تَحْتَهَا بِمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَتَلَ رَجُلًا قُتِلَ بِهِ وَمَنْ جَرَحَ جِرَاحَةً جُرِحَ بِهِ جِرَاحَةً مِثْلَهَا، وَإِنْ قَطَعَ يَدَ رِجْلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ قَطْعَ يَدِهِ ثُمَّ قَتْلَهُ وَاقْتَضَى أَيْضًا أَنَّ مَنْ قَتَلَ رَجُلًا بِرَضْخِ رَأْسِهِ بِالْحَجَرِ أَوْ نَصْبِهِ غَرَضًا فَرَمَاهُ حَتَّى قَتَلَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الْمُعَاقَبَةُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ لِأَنَّا لَا نُحِيطُ عِلْمًا بِمِقْدَارِ الضَّرْبِ وَعَدَدِهِ وَمِقْدَارِ أَلَمِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُنَا الْمُعَاقَبَةُ بِمِثْلِهِ فِي بَابِ إتْلَافِ نَفْسِهِ قَتْلًا بِالسَّيْفِ، فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ حُكْمِ الْآيَةِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ دُونَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.


الصفحة التالية
Icon