قال بعضهم : الأصح أنها محكمة لأن الآية واردة في تعليم حسن الأدب في كيفية استيفاء الحقوق وفي القصاص وترك التعدي وهو طلب الزيادة، وهذه الأشياء لا تكون منسوخة فلا تعلق لها بالنسخ والله أعلم.
قوله ﴿ واصبر وما صبرك إلا بالله ﴾
الخطاب لرسول الله ( ﷺ ) أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ( ﷺ ) بالصبر، وأعلمه أن صبره بتوفيقه ومعونته ﴿ ولا تحزن عليهم ﴾ يعني على الكافرين، وإعراضهم عنك وقيل : معنى الآية ولا تحزن على قتلى أحد وما فعل بهم فإنهم أفضوا إلى رحمة الله ورضوانه ﴿ ولا تك في ضيق مما يمكرون ﴾ يعني : ولا يضيقن صدرك يا محمد بسبب مكرهم، فإن الله كافيك وناصرك عليهم.
قرىء في ضيق بفتح الضاد وكسرها، فقيل لغتان.
وقال أبو عمر : والضيق بالفتح الغم وبالكسر الشدة، وقال أبو عبيدة الضيق بالكسر في قلة المعاش وفي المسكين وإما ما كان في القلب والصدر فإنه بالفتح، وقال القتيبي : الضيق تخفيف ضيق مثل هين وهين ولين ولين فعلى هذا يكون صفة كأنه قال سبحانه وتعالى : ولا تك في أمر ضيق من مكرهم.
قال الإمام فخر الدين الرازي : وهذا الكلام من المقلوب، لأن الضيق صفة والصفة تكون حاصلة في الموصوف، ولا يكون الموصوف حاصلاً في الصفة فكان المعنى لا يكن الضيق حاصلاً فيك إلا أن الفائدة في قوله : ولا تك في ضيق، هي أن الضيق إذا عظم وقوي صار كالشيء المحيط بالإنسان من كل جانب، كالقميص المحيط به فكانت الفائدة في ذكر هذا اللفظ بهذا المعنى ﴿ إن الله مع الذين اتقوا ﴾ أي اتقو المثلة والزيادة في القصاص وسائر المناهي ﴿ والذين هم محسنون ﴾ يعني بالعفو عن الجاني، وهذه المعية بالعون والفضل والرحمة يعني إن أردت أيها الإنسان أن أكون معك بالعون والفضل والرحمة، فكن من المتقين المحسنين، وفي هذا إشارة إلى التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله.


الصفحة التالية
Icon