وذهبت فرقة منهم ابن سيرين ومجاهد : إلى أنها نزلت فيمن أصيب بظلامة أنْ لا ينال من ظالمه إذا تمكن الأمثل ظلامته لا يتعداها إلى غيرها، وسمى المجازاة على الذنب معاقبة لأجل المقابلة، والمعنى : قابلوا من صنع بكم صنيع سوء بمثله، وهو عكس :﴿ ومكروا ومكر الله ﴾ المجاز في الثاني وفي : وإنْ عاقبتم في الأول.
وقرأ ابن سيرين : وإنْ عقبتم فعقبوا بتشديد القافين أي : وإنْ قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم.
والظاهر عود الضمير إلى المصدر الدال عليه الفعل مبتدأ بالإضافة إليهم أي : لصبركم وللصابرين أي : لكم أيها المخاطبون، فوضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم بصبرهم على الشدائد، وبصبرهم على المعاقبة.
وقيل : يعود إلى جنس الصبر، ويراد بالصابرين جنسهم، فكأنه قيل : والصبر خير للصابرين، فيندرج صبر المخاطبين في الصبر، ويندرجون هم في الصابرين.
ونحوه :﴿ فمن عفا وأصلح ﴾ ﴿ وأن تعفوا أقرب للتقوى ﴾ ولما خير المخاطبون في المعاقبة والصبر عنها عزم على الرسول ( ﷺ ) في الذي هو خير وهو الصبر، فأمر هو وحده بالصبر.
ومعنى بالله : بتوفيقه وتيسيره وإرادته.
والضمير في عليهم يعود على الكفار، وكذلك في يمكرون كما قال :﴿ فلا تأس على القوم الكافرين ﴾ وقيل : يعود على القتلى الممثل بهم حمزة، ومن مثل به يوم أحد.
وقرأ الجمهور : في ضيق بفتح الضاد.
وقرأ ابن كثير : بكسرها، ورويت عن نافع، ولا يصح عنه، وهما مصدران كالقيل والقول عند بعض اللغويين.
وقال أبو عبيدة : بفتح الضاد مخفف من ضيق أي : ولا تك في أمر ضيق كلين في لين.
وقال أبو علي : الصواب أن يكون الضيق لغة في المصدر، لأنه إنْ كان مخففاً من ضيق لزم أن تقام الصفة مقام الموصوف إذا تخصص الموصوف، وليس هذا موضع ذلك، والصفة إنما تقوم مقام الموصوف إذا تخصص الموصوف من نفس الصفة كما تقول : رأيت ضاحكاً، فإنما تخصص الإنسان.


الصفحة التالية
Icon