وكقولنا في إثبات أنه سبحانه أظهر من كل شيء : إن كل أثر يشابه صفة مؤثرة وأنه قائم بفعله قيام صدور كالأشعة بالنيرات والكلام بالمتكلم، فالأشياء هي ظهور الواجب بها لها لأنه سبحانه لا يظهر بذاته وإلا لاختلفت حالتاه، ولا يكون شيء أشد ظهوراً من الظاهر في ظهوره لأن الظاهر أظهر من ظهوره وإن كان لا يمكن التوصل إلى معرفته إلا بظهوره مثل القيام فإن القائم أظهر في القيام من القيام والقاعد أظهر في القعود من القعود وإن كان لا يمكن التوصل إلى معرفتهما إلا بالقيام والقعود فتقول : يا قائم ويا قاعد، والمعنى لك إنما هو القائم والقاعد لا القيام والقعود لأنه بظهوره لك بذلك غيب عليك مشاهدته وإن التفت إليه احتجب عنك القائم والقاعد، وهو آلة لمعرفة المعارف الحقية كالتوحيد وما يلحق به، ومستنده الفؤاد وهو نور الله تعالى المشار إليه بقوله ﷺ :
" اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى " والنقل من الكتاب والسنة، وشرطه الذي يتوقف عليه فتح باب النور ثلاثة أشياء.
أحدها أن تنصف ربك وتقبل منه سبحانه قوله ولا تتبع شهوة نفسك.
وثانيها أن تقف عند بيانك وتبينك وتبيينك على قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ ﴾ [ الإسراء : ٣٦ ] وثالثها أن تنظر في تلك الأحوال أعني البيان وما بعده بعينه تعالى وهي العين التي هي وصف نفسه لك أعني وجودك من حيث كونه أثراً ونوراً لا بعينك التي هي أنت من حيث أنك أنت أنت فإنك لا تعرف بهذه العين إلا الحادثات المحتاجة الفانية.