وقال غير واحد : أي الا بتوفيقه ومعونته فالتسلية من حيث تيسير الصبر وتسهيله ولعل ذلك أظهر مما تقدم.
﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ أي على الكافرين وكفرهم بك وعدم متابعتهم لك نحو ﴿ فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الكافرين ﴾ [ المائدة : ٦٨ ] وقيل : على المؤمنين وما فعل بهم من المثلة يوم أحد ﴿ وَلاَ تَكُ فِى ضَيْقٍ ﴾ بفتح الضاد، وقرأ ابن كثير بكسرها وروي ذلك عن نافع، ولا يصح على ما قال أبو حيان عنه وهما لغتان كالقول والقيل أي لا تكن في ضيق صدر وحرج وفيه استعارة لا تخفى ولا داعي إلى ارتكاب القلب، وقال أبو عبيدة : الضيق بالفتح مخفف ضيق كهين وهين أي لا تك في أمر ضيق.
ورده أبو علي كما في البحر بأن الصفة غير خاصة بالموصوف فلا يجوز ادعاء الحذف ولذلك جاز مررت بكاتب وامتنع بآكل.
وتعقب بالمنع لأنه إذا كانت الصفة عامة وقدر موصوف عام فلا مانع منه ﴿ مّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ أي من مكرهم بك فيما يستقبل فالأول كام في إرشاد العقل السليم نهي عن التألم بمطلوب من جهتهم فات والثاني نهي عن التألم بمحذور من جهتهم آت، وفيه أن انلهي عنهما مع أن انتفاءهما من لوازم الصبر المأمور به لزيادة التأكيد وإظهار كمال العناية بشأن التسلية وإلا فهل يخطر ببال من توجه إلى الله تعالى بشراشره متنزهاً عن كل ما سواه سبحانه من الشواغل شيء مطلوب فينهي عن الحزن بفواته، وقيل : يمكرون بمعنى مكروا، وإنما عبر بالمضارع استحضاراً للصورة الماضية، والأول نهى عن الحزن على سوء حالهم في أنفسهم من اتصافهم بالكفر والاعراض عن الدعوة والثاني نهى عن الحزن على سوء حالهم معه ﷺ من إيذائهم له بالتمثيل بأحبابه ونحوه والمراد من النهيين محض التسلية لا حقيقة النهي، وأنت تعلم أن الظاهر إبقاء المضارع على حقيقته فتأمل.
﴿ إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا ﴾


الصفحة التالية
Icon