وقيل : إن الله سبحانه أمرهم بتعظيم يوم في الأسبوع، فاختلف اجتهادهم فيه، فعينت اليهود السبت، لأن الله سبحانه فرغ فيه من الخلق، وعينت النصارى يوم الأحد لأن الله بدأ فيه الخلق.
فألزم الله كلا منهم ما أدّى إليه اجتهاده، وعيّن لهذه الأمة الجمعة من غير أن يكلهم إلى اجتهادهم فضلاً منه ونعمة.
ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن اليهود كانوا يزعمون أن السبت من شرائع إبراهيم، فأخبر الله سبحانه أنه إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه، ولم يجعله على إبراهيم ولا على غيره ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ أي : بين المختلفين فيه ﴿ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ فيجازي كلا فيه بما يستحقه ثواباً وعقاباً، كما وقع منه سبحانه من المسخ لطائفة منهم والتنجية لأخرى.
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يدعو أمته إلى الإسلام فقال ﴿ ادع إلى سَبِيلِ رَبّكَ ﴾ وحذف المفعول للتعميم، لكونه بعث إلى الناس كافة، وسبيل الله هو الإسلام ﴿ بالحكمة ﴾ أي : بالمقالة المحكمة الصحيحة.
قيل : وهي الحجج القطعية المفيدة لليقين ﴿ والموعظة الحسنة ﴾ وهي المقالة المشتملة على الموعظة الحسنة التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها.
قيل : وهي الحجج الظنية الإقناعية الموجبة للتصديق بمقدّمات مقبولة.
قيل : وليس للدعوة إلاّ هاتان الطريقتان، ولكن الداعي قد يحتاج مع الخصم الألدّ إلى استعمال المعارضة والمناقضة، ونحو ذلك من الجدل.
ولهذا قال سبحانه :﴿ وجادلهم بالتى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ أي : بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة.


الصفحة التالية
Icon