ويندرج في التي هي أحسن ردّ تكذيبهم بكلام غير صريح في إبطال قولهم من الكلام الموجّه، مثل قوله تعالى ﴿ وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ﴾ [ سورة سبأ : ٢٤ ]، وقوله :﴿ وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ﴾ [ سورة الحج : ٦٨ ].
والآية تقتضي أن القرآن مشتمل على هذه الطرق الثلاثة من أساليب الدعوة، وأن الرسول إذا دعا الناس بغير القرآن من خطبه ومواعظه وإرشاده يسلك معهم هذه الطرق الثلاثة.
وذلك كله بحسب ما يقتضيه المقام من معاني الكلام ومن أحوال المخاطبين من خاصّة وعامّة.
وليس المقصود لزوم كون الكلام الواحد مشتملاً على هذه الأحوال الثلاثة ؛ بل قد يكون الكلام حكمة مشتملاً على غِلظة ووعيد وخالياً عن المجادلة.
وقد يكون مجادلة غير موعظة، كقوله تعالى : ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض.
وكقول النبي إنك لتأكل المِرباع وهو حرام في دينك، قاله لعديّ بن حاتم وهو نصراني قبلَ إسلامه.
ومن الإعجاز العلمي في القرآن أن هذه الآية جمعت أصول الاستدلال العقلي الحقّ، وهي البرهان والخطابة والجَدل المعبّر عنها في علم المنطق بالصناعات وهي المقبولة من الصناعات.
وأما السفسطة والشعر فيَرْبَأُ عنهما الحكماء الصادقون بله الأنبياء والمرسلين.
قال فخر الدين : إن الدعوة إلى المذهب والمقالةِ لا بدّ من أن تكون مبنيّة على حُجّة.
والمقصود من ذكر الحجّة إما تقرير ذلك المذهب وذلك الاعتقاد في قلوب السامعين، وإما إلزام الخصم وإفحامُه.


الصفحة التالية
Icon