وإعادة ضمير الفصل في قوله :﴿ وهو أعلم بالمهتدين ﴾ للتّنصيص على تقوية هذا الخبر لأنه لو قيل : وأعلمُ بالمهتدين، لاحتمل أن يكون معطوفاً على جملة ﴿ هو أعلم بمن ضل ﴾ على أنه خبر ( لإنّ ) غيرُ داخل في حيّز التقوية بضمير الفصل، فأعيد ضمير الفصل لدفع هذا الاحتمال.
ولم يقل : وبالمهتدين، تصريحاً بالعلم في جانبهم ليكون صريحاً في تعلّق العلم به.
وهذان القصران إضافيان، أي ربّك أعلم بالضّالين والمهتدين، لا هؤلاء الذين يظنّون أنهم مهتدون وأنكم ضالون.
والتفضيل في قوله :﴿ هو أعلم ﴾ تفضيل على علم غيره بذلك.
فإنه علم متفاوت بحسب تفاوت العالمين في معرفة الحقائق.
وفي هذا التفضيل إيماء إلى وجوب طلب كمال العلم بالهدى، وتمييز الحقّ من الباطل، وغوص النظر في ذلك، وتجنّب التسرّع في الحكم دون قوة ظنّ بالحقّ، والحذر من تغلّب تيارات الأهواء حتى لا تنعكس الحقائق ولا تسير العقول في بنَيّات الطرائق، فإن الحقّ باقٍ على الزمان والباطل تكذبه الحجّة والبرهان.
والتخلّق بهذه الآية هو أن كل من يقوم مقاماً من مقامات الرسول ﷺ في إرشاد المسلمين أو سياستهم يجب عليه أن يكون سالكاً للطرائق الثلاث : الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وإلا كان منصرفاً عن الآداب الإسلامية وغير خليق بما هو فيه من سياسة الأمّة، وأن يخشى أن يعرّض مصالح الأمّة للتلف، فإصلاح الأمّة يتطلّب إبلاغ الحقّ إليها بهذه الوسائل الثلاث.
والمجتمعُ الإسلامي لا يخلو عن متعنّت أو مُلَبّس وكلاهما يُلقي في طريق المصلحين شَواكَ الشبه بقصد أو بغير قصد.
فسبيل تقويمه هو المجادلة، فتلك أدنى لإقناعه وكشف قناعه.


الصفحة التالية
Icon