ويُروى في هذا المقام مقام الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة قصة دارت بين الحسن والحسين رضي الله عنهما، هذه القصة تجسيدٌ صادق لما ينبغي أنْ يكون عليه الداعية.
فيُروى أنهما رَأيَا رجلاً لا يُحسِن الوضوء، وأراد أنْ يُعلِّماه الوضوء الصحيح دون أنْ يجرحَا مشاعره، فما كان منهما إلا أنهما افتعلا خصومة بينهما، كل منهما يقول للآخر : أنت لا تُحسِن أنْ تتوضأ، ثم تحاكما إلى هذا الرجل أنْ يرى كلاً منهما يتوضأ، ثم يحكم : أيهما أفضل من الآخر، وتوضأ كل منهما فأحسن الوضوء، بعدها جاء الحُكْم من الرجل يقول : كل منكما أحسن، وأنا الذي ما أحسنْتُ.
إنه الوعظ في أعلى صورة، والقدوة في أحكم ما تكون.
" مثال آخر للدعوة يضربه لنا الرسول ﷺ، حينما أتاه شاب في فَوْرة شبابه، يشتكي عدم صَبْره عن رغبة الجنس، وهي كما قلنا من أشرس الغرائز في الإنسان.
جاء الشاب وقال :" يا رسول الله إئذن لي في الزنا ".
هكذا تجرأ الشاب ولم يُخْفِ عِلّته، هكذا لجأ إلى الطبيب ليطلب الدواء صراحة، ومعرفة العلة أولَ خَطوات الشفاء. فماذا قال رسول الله؟
انظر إلى منهج الدعوة، كيف يكون، وكيف استلَّ رسول الله ﷺ الداء من نفس هذا الشاب؟ فلم يزجره، ولم ينهره، ولم يُؤذه، بل أخذه وربَّت على كتفه في لطف ولين، ثم قال :" أتحبه لأمك؟ قال : لا يا رسول الله، جُعِلْتَ فِدَاك. قال : فكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، قال : أَتُحبه لأختكَ؟
قال : لا يا رسول الله جُعِلْتُ فِدَاك، قال : فكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم ".
وهكذا حتى ذكر العمة والخالة والزوجة، ثم وضع رسول الله ﷺ يده الشريفة على صدر الشاب ودعا له :" اللهم نَقِّ صدره، وحَصِّن فَرْجه " فقام الشاب وأبغض ما يكون إليه أن يزني، وهو يقول : فوالله ما هَمَّتْ نفسي بشيء من هذا، إلا ذكرْتُ أمي وأختي وزوجتي ".