فقد جعل الله في الصبر سَعة، وجعله خيراً من رَدِّ العقوبة، ومقاساة تقدير المثلية فيها، فضلاً عما في الصبر من تأليف القلوب ونَزْع الأحقاد، كما قال الحق سبحانه :﴿ ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [ فصلت : ٣٤ ].
ففي ذلك دَفْع لشراسة النفس، وسَدٌّ لمنافذ الانتقام، وقضاء على الضغائن والأحقاد.
وقوله :﴿ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ﴾ [ النحل : ١٢٦ ].
الخيرية هنا من وجوه :
أولاً : في الصبر وعدم رَدِّ العقوبة بمثلها إنهاءٌ للخصومات، وراحة للمجتمع أن تفزعه سلسلة لا تنتهي من العداوة.
ثانياً : مَنْ ظُلِم من الخلق، فصبر على ظلمهم، فقد ضمن أن الله تعالى في جواره ؛ لأن الله يغار على عبده المظلوم، ويجعله في معيته وحفظه ؛ لذلك قالوا : لو علم الظالم ما أعدَّه الله للمظلوم لَضنَّ عليه بالظلم.
والمتتبع لآيات الصبر في القرآن الكريم يجد تشابهاً في تذييل بعض الآيات.
يقول تعالى :﴿ واصبر على مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور ﴾ [ لقمان : ١٧ ].
وفي آية أخرى :﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور ﴾ [ الشورى : ٤٣ ].
ولا ننسى أن المتكلم هو الله، إذن : ليس المعنى واحداً، فلكل حرف هنا معنى، والمواقف مختلفة، فانظر إلى دِقّة التعبير القرآني.
ولما كانت المصائب التي تصيب الإنسان على نوعين :
النوع الأول : هناك مصائب تلحق الإنسان بقضاء الله وقدره، وليس له غريم فيها، كمن أُصيب في صحته أو تعرَّض لجائحة في ماله، أو انهار بيته.. الخ.
وفي هذا النوع من المصائب يشعر الإنسان بألم الفَقْد ولذْعة الخسارة، لكن لا ضغن فيها على أحد.