الدعوة إلى منهج يلفت الإنسان خليفة الله في أرضه أنْ يلتزمَ بمنهج الله الذي استخلفه، ووضع له هذا المنهج لِيُنظّم حركة حياته، والداعية يواجه هؤلاء الذين يُفسدون في الأرض، ويحققون لأنفسهم مصالح على حساب الغير، والذي يحقق لنفسه مصلحة على حساب غيره لا بُدَّ أن يكون له قوة وقدرة، بها يطغى ويستعلي ويظلم.
فإذا جاء منهج الله تعالى ليعدل حركة هؤلاء ويُخرجهم مما أَلفُوه، وينزع منهم سلطان الطغيان والظلم، ويسلبهم هذا السوط الذي يستفيدون به، فلا بُدَّ أنْ يُجادلوه ويصادموه ويقفوا في وجهه، فقد جمع عليهم شدة النصح والإصلاح، وشدة تَرْك ما ألفوه.
فعلَى الداعية إذن أن يتحلى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجادلهم بالتي هي احسن، فإذا ما تعدَّى أمرُهم إلى الاعتداء على الداعية، إذا ما استشرى الفساد وغلبت شراسة الطباع، فسوف نحتاج إلى أسلوب آخر، حيث لم يَعُدْ يُجدي أسلوب الحكمة.
ولا بُدَّ لنا أن نقفَ الموقف الذي تقتضيه الرجولة العادية، فضلاً عن الرجولة الإيمانية، وأن يكون لدينا القدرة على الرد الذي شرعه لنا الحق سبحانه وتعالى، دون أن يكون عندنا لَدَد في الخصومة، أو إسراف في العقوبة.
فجاء قوله تعالى :
﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ.. ﴾ [ النحل : ١٢٦ ].
وفي الآية تحذير أن يزيدَ الردّ على مثله، وبذلك يتعلم الخصوم أنك خاضع لمنهج رباني عادل يستوي أمامه الجميع، فهم وإن انحرفوا وأجرموا فإن العقاب بالمثل لا يتعداه، ولعل ذلك يلفتهم إلى أن الذي أمر بذلك لم يطلق لشراسة الانتقام عنانها، بل هَدَّأَها ودعاها إلى العفو والصفح، ليكون هذا أدعى إلى هدايتهم.


الصفحة التالية
Icon