الوجه الثالث : أنه كما يستبعد في العقل صعود الجسم الكثيف من مركز العالم إلى ما فوق العرش، فكذلك يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحاني من فوق العرش إلى مركز العالم، فإن كان القول بمعراج محمد ﷺ في الليلة الواحدة ممتنعاً في العقول، كان القول بنزول جبريل عليه الصلاة والسلام من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعاً، ولو حكمنا بهذا الامتناع كان ذلك طعناً في نبوة جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والقول بثبوت المعراج فرع على تسليم جواز أصل النبوة، فثبت أن القائلين بامتناع حصول حركة سريعة إلى هذا الحد، يلزمهم القول بامتناع نزول جبريل عليه الصلاة والسلام في اللحظة من العرش إلى مكة، ولما كان ذلك باطلاً كان ما ذكروه أيضاً باطلاً.
فإن قالوا : نحن لا نقول إن جبريل عليه الصلاة والسلام جسم ينتقل من مكان إلى مكان، وإنما نقول المراد من نزول جبريل عليه السلام هو زوال الحجب الجسمانية عن روح محمد ﷺ حتى يظهر في روحه من المكاشفات والمشاهدات بعض ما كان حاضراً متجلياً في ذات جبريل عليه الصلاة والسلام.