وقوله: (أُسْرِي) من السُّرى، وهو السير ليلاً، وفي الحِكَم: (عند الصباح يحمَدُ القوم السُّرى).
فالحق سبحانه أسرى بعبد، فالفعل لله تعالى، وليس لمحمد ﷺ فلا تَقِسْ الفعل بمقياس البشر، ونزِّه فِعْل الله عن فِعْلك، وقد استقبل أهل مكة هذا الحدث استقبال المكذِّب. فقالوا: كيف هذا ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً، وهم كاذبون في قولهم ؛ لأن رسول الله لم يَدَّع أنه سَرَى بل قال: أُسْرِي بي.
ومعلوم أن قَطْع المسافات يأخذ من الزمن على قدر عكس القوة المتمثلة في السرعة. أي: أن الزمن يتناسب عكسياً مع القوة، فلو أردنا مثلاً الذهاب إلى الإسكندرية سيختلف الزمن لو سِرْنا على الأقدام عنه إذا ركبنا سيارة أو طائرة، فكلما زادت القوة قَلَّ الزمن، فما بالك لو نسب الفعل والسرعة إلى الله تعالى، إذا كان الفعل من الله فلا زمن.
فإنْ قال قائل: ما دام الفعل مع الله لا يحتاج إلى زمن، لماذا لم يَأْتِ الإسراء لمحةً فحسْب، ولماذا استغرق ليلة؟
نقول: لأن هناك فرْقاً بين قطْع المسافات بقانون الله سبحانه وبين مَرَاءٍ عُرِضَتْ على النبي ﷺ في الطريق، فرأى مواقف، وتكلَّم مع أشخاص، ورأى آيات وعجائب، هذه هي التي استغرقت الزمن.
وقلنا: إنك حين تنسب الفعل إلى فاعله يجب أن تعطيه من الزمن على قَدْر قوة الفاعل. هَبْ أن قائلاً قال لك: أنا صعدتُ بابني الرضيع قمة جبل " إفرست "، هل تقول له: كيف صعد ابنك الرضيع قمة " إفرست "؟
هذا سؤال إذن في غير محلِّه، وكذلك في مسألة الإسراء والمعراج يقول تعالى: أنا أسريتُ بعبدي، فمن أراد أنْ يُحيل المسألة ويُنكرها، فليعترض على الله صاحب الفعل لا على محمد.
لكن كيف فاتتْ هذه القضية على كفار مكة؟