قلنا : هذا أيضاً بعيد، لأنه لا يبعد أن يقال : إنه حصل لروحه من أنواع المكاشفات والمشاهدات ما لم يحصل لغيره ألبتة، فلا جرم كان هذا الكلام لائقاً به، فهذا تقرير وجه السؤال على الاستدلال بهذه الآية في إثبات المعراج بالروح والجسد معاً.
والجواب : أن لفظ العبد لا يتناول إلا مجموع الروح والجسد، والدليل عليه قوله تعالى :﴿أَرَأَيْتَ الذى ينهى * عَبْداً إِذَا صلى﴾ [ العلق : ٩، ١٠ ] ولا شك أن المراد من العبد ههنا مجموع الروح والجسد.
وقال أيضاً في سورة الجن :﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾ [ الجن : ١٩ ] والمراد مجموع الروح والجسد فكذا ههنا، وأما الخبر فهو الحديث المروي في الصحاح وهو مشهور وهو يدل على الذهاب من مكة إلى بيت المقدس، ثم منه إلى السموات، واحتج المنكرون له بوجوه : أحدها : بالوجوه العقلية وهي ثلاثة : أولها : أن الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد غير معقولة.
وثانيها : أن صعود الجرم الثقيل إلى السموات غير معقول.
وثالثها : أن صعوده إلى السموات يوجب انحراق الأفلاك، وذلك محال.
والشبهة الثانية : أن هذا المعنى لو صح لكان أعظم من سائر المعجزات وكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع الناس حتى يستدلوا به على صدقه في ادعاء النبوة، فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه أحد ولا يشاهده أحد، فإنه يكون ذلك عبثاً، وذلك لا يليق بالحكيم.
والشبهة الثالثة : تمسكوا بقوله :﴿وَمَا جَعَلْنَا الرءيا التى أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ﴾ [ الإسراء : ٦٠ ] وما تلك الرؤيا إلا حديث المعراج، وإنما كان فتنة للناس ؟ لأن كثيراً ممن آمن به لما سمع هذا الكلام كذبه وكفر به فكان حديث المعراج سبباً لفتنة الناس، فثبت أن ذلك رؤيا رآه في المنام.


الصفحة التالية
Icon