وذكر قصة المعراج وثمرته بقوله: (ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى) [النجم: ١٣- ١٨]. فتعليل الإسراء - كما نصت الآية - أن الله يريد أن يرى عبده بعض آياته. ثم أوضحت آيات المعراج، أن الرسول - ﷺ - شهد - بالفعل - بعض هذه الآيات الكبرى. وقد اختلف العلماء - من قديم - أكان هذا السرى الخارق بالروح وحده، أم بالروح والجسد جميعا؟ والجمهور على القول الأخير. وللدكتور هيكل رأى غريب فقد اعتبره استجماعا ذهنيا ونفسيا لوحدة الوجود من الأزل إلى الأبد فى فترة من فترات التألق النفسانى الفذ، الذى اختص به بشر نقى جليل مثل محمد - ﷺ -، وفى إبان هذا التألق الذى استعلى به على كل شىء، استعرض حقائق الدين والدنيا، وشاهد صور الثواب والعقاب.. إلخ. فالإسراء حق.. وهو - عنده - روحى لا مادى، ولكنه فى اليقظة لا فى المنام، فليس رؤيا صادقة كما يرى البعض، بل هو حقيقة واقعة على النحو الذى صوره، ثم قال فيه بعدئذ: (وليس يستطيع هذا السمو إلا قوة فوق ما تعرف الطبائع الإنسانية). والحق.. أن الحدود بين القوى الروحية والقوى المادية، أخذت تضمحل وتزول، وأن ما يراه الناس ميسورا فى عالم الروح ليس يستوعر فى عالم المادة. وأحسب أنه بعد ما مزق العلم من أستار عن أسرار الوجود، فإن أمر المادة أضحى كأمر الروح، لا يعرف مداه إلا قيوم السموات والأرض. وإن الإنسان ليقف مشدوها، عندما يعلم أن الذرة تمثل فى داخلها نظام المجموعة الشمسية الدوارة فى الفلك، صمانها - وهى هباءة تافهة - تكمن فيها حرارة هائلة، عندما


الصفحة التالية
Icon