أن يعتبر المسجد الأقصى ثالث الحرمين فى الإسلام وأن ينتقل إليه الرسول - ﷺ - فى إسرائه فيكون هذا الانتقال احتراما للإيمان الذى درج - قديما - فى رحابه.
ثم يجمع الله المرسلين السابقين من حملة الهداية فى هذه الأرض وما حولها ليستقبلوا. صاحب الرسالة الخاتمة. إن النبوات يصدق بعضها بعضا ويمهد السابق منها للاحق، وقد أخذ الله الميثاق على أنبياء بنى إسرائيل بذلك: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين). وفى السنة الصحيحة أن الرسول ـ ﷺ ـ صلى بإخوانه الأنبياء ركعتين فى المسجد الأقصى، فكانت هذه الإمامة إقرارا مبينا بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، أخذت تمامها على يد محمد بعد أن وطأ لها العباد الصالحون من رسل الله الأولين. والكشف عن منزلة محمد ـ ﷺ ـ ودينه، ليس مدحا يساق فى حفل تكريم، بل هو بيان حقيقة مقررة فى عالم الهداية، منذ تولت السماء إرشاد الأرض، ولكنه جاء فى إبانه المناسب. فإن جهاد الدعوة الذى حمله محمد ـ ﷺ ـ على كواهله، عرضه لعواصف عاتية من البغضاء والافتراء، ومزق شمل أتباعه، فما ذاقوا ـ مذ آمنوا به ـ راحة الركون إلى الأهل والمال. وكان آخر العهد بمشاق الدعوة، طرد " ثقيف " له، ثم دخوله البلد الحرام فى جوار مشرك. إن هوانه على الناس، منذ دعاهم إلى الله، جعله يجأر إلى رب الناس شاكيا راجيا. فمن تطمين الله له، ومن نعمائه عليه أن يهئ له هذه الرحلة السماوية لتمس فؤاده المعنى ببرد الراحة وليشعر أنه بعين الله، منذ قام يوحده ويعبده، ويعلم البشر توحيده وعبادته. كان يقول: "إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى " فالليلة علم أن حظه من رضوان الله جزيل، وأن مكانته بين المصطفين