وقال القرطبى :
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا ﴾
فيه ثمان مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ سُبْحَانَ ﴾ "سبحان" اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكن ؛ لأنه لا يجري بوجوه الإعراب، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجر منه فعل، ولم ينصرف لأن في آخره زائدتين، تقول : سبّحت تسبيحاً وسُبحاناً، مثل كفّرت اليمين تكفيراً وكفراناً.
ومعناه التنزيه والبراءة لله عز وجل من كل نقص.
فهو ذكر عظيم لله تعالى لا يصلح لغيره ؛ فأما قول الشاعر :
أقول لمّا جاءني فَخْرهُ...
سبحانَ مِن عَلْقَمةَ الفاخِرِ
فإنما ذكره على طريق النادر.
وقد " روى طلحة بن عبيد الله الفَيّاض أحدُ العشرة أنه قال للنبي ﷺ : ما معنى سبحان الله؟ فقال : تنزيه الله من كل سوء " والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه لا من لفظه، إذ لم يجر من لفظه فعل، وذلك مثل قعد القُرْفصاء، واشتمل الصَّمّاء ؛ فالتقدير عنده : أنزّه الله تنزيهاً ؛ فوقع "سبحان الله" مكان قولك تنزيهاً.
الثانية : قوله تعالى :﴿ أسرى بِعَبْدِهِ ﴾ "أسرى" فيه لغتان : سرى وأسرى ؛ كسقى وأسقى، كما تقدّم.
قال :
أسْرتْ عليه من الجَوْزَاء سارِيَةٌ...
تُزْجِي الشَّمال عليه جامدَ البَرَد
وقال آخر :
حَيِّ النَّضيرة ربة الخِدْرِ...
أسْرَت إليّ ولم تكن تَسْري
فجمع بين اللغتين في البيتين.
والإسراء : سير الليل ؛ يقال : سَرَيت مَسْرًى وسُرًى، وأسريت إسراء ؛ قال الشاعر :
وليلة ذات نَدًى سريتُ...
ولم يَلِتْنِي من سُراها لَيْتُ
وقيل : أسرى سار من أوّل الليل، وسرى سار من آخره ؛ والأوّل أعرف.
الثالثة : قوله تعالى :﴿ بِعَبْدِهِ ﴾ قال العلماء : لو كان للنبيّ ﷺ اسم أشرفُ منه لسمّاه به في تلك الحالة العلية.
وفي معناه أنشدوا :
يا قومِ قلبي عند زهراءِ...